شيكابالا… الوداع الذي لم يصدقه القلب بعد..

شيكابالا
شيكابالا

شيكابالا.. من الحصايا إلى القلوب:

حين يُودّع الفتى الأسمر الملاعب، تبقى روحه في المدرجات.


ليس كل من ارتدى الرقم 10 صار أسطورة.

وليس كل من راوغ صار شاعر قدم.

لكن “شيكابالا” – محمود عبد الرازق – لم يكن لاعبًا عاديًا، بل كان قصيدة تُتلى على عشب الملاعب، وصرخة حب تهتف بها جماهير الزمالك كلما تنفس هو بالكرة.

 

وفي كل جيل، يولد لاعب يُشبه القصائد.

لا يُقاس بالأهداف، ولا يُحتَسب بحصاد البطولات… بل يُعرف بوقع اسمه في قلوب الناس.

ذلك  “شيكابالا”…

ابن “الحصايا” الذي خرج من قلب أسوان، يحمل في قدميه الجنوب، وفي عينيه الشغف، وفي صوته الحنين.

 

ولد في “الحصايا”، إحدى قرى محافظة أسوان، بعيدًا عن الأضواء، قريبًا من الشمس…

ومن هناك خرج طفل نحيل، يجري خلف المستديرة وكأنه يعرف منذ البدء أن قدميه كُتبتا لتغيّر قواعد اللعبة.


 

بداية تشبه الحلم

 

لم يعرفه أهله لاعبًا بارعًا في البداية، بل عرفه الغرباء.

الناس كانت تتهامس في الحي: “الولد دا مختلف”.

وفي أحد أيام الطفولة، ذهبوا معه للتدريب، وحين رأوه، أدركوا أن القدر لا يطرق الأبواب بصوت عالٍ… بل يأتي خفيفًا، في صورة ولد يراوغ الهواء.

 

من أسوان إلى مدرسة الموهوبين في القاهرة، ثم إلى الزمالك.

لا بترتيب النشأة، بل بترتيب الحلم.

كان في العاشرة، وبدأت الحكاية.

اختير للانضمام إلى مدرسة الموهوبين بالقاهرة، وسرعان ما خطف الأنظار في اختبارات الزمالك، لا لأنه فقط “يجيد الكرة”، بل لأنه “يخلق منها شيئًا آخر”.


منذ أول لمسة، أحبه جمهور الأبيض.

ومن أول تمريرة، أدرك اللاعبون الكبار أنهم أمام من سيحمل راية المتعة لعقود.


 

بين العبقرية والظلم


 شيكابالا لم يتعلم كيف يراوغ، بل خلق طريقته.

هو من أولئك القلائل الذين لا يُشبهون أحدًا، والذين لا يصنعون “نسخًا” منهم.

كان الكرة في قدمه أشبه بفرشاة في يد فنان… يرسم بها، لا يركل.


 حتى حين كان الزمالك يمر بأصعب فتراته، كان الجمهور يأتي من أجل لمسة منه، من أجل مراوغة يتيمة تفتح شباك الأمل.


 لم يكن مشوار شيكابالا مفروشًا بالمجد وحده.

عانى من التهميش، وتعرض للهجوم، وحُمل كثيرًا أوزارًا ليست له.

لكنه ظل واقفًا… لا لأن الأمور كانت سهلة، بل لأنه اختار أن يبقى وفيًا لنفسه، لفنه، ولجمهوره.


 

قالها ذات مرة في حوار تلفزيوني: “أي خسارة بتحصل، بتقع عليا أنا بس”.

وفي هذه الجملة كل الحكاية.

حكاية من حمل على كتفيه عشق الملايين، ومرارًا لم يُحتضن كما يليق. ولم تكن مجرد شكوى.

كانت اختصارًا لتاريخ طويل من التحامل، من جلد الذات، من حمل أوزار جماعية على أكتاف فرد.


 في الزمالك، كان شيكابالا دائمًا المسؤول… لا لأنه المذنب، بل لأنه الأوضح، والأكثر جذبًا للأنظار.

وكان يعرف ذلك، ويتحمله، دون أن يفقد ابتسامته… أو عشقه.


 قصة حب لا تهدأ


 شيكابالا والزمالك…

ليست علاقة نادٍ بلاعب، بل علاقة “صوت” بجمهوره، و”دمع” بعينه.

لم يكن فقط كابتن الفريق، بل كان الروح التي تهتف بها الجماهير.

هو الذي تُرفع له الأعلام، وتُعلّق صوره على الجدران، ويُكتب اسمه في الأغاني.


 حتى حين غاب، لم يغِب من القلوب.

وحين عاد، لم يكن يحتاج أن يثبت شيئًا… هو الدليل نفسه.


 

محطات خارج الحدود


 في الرائد السعودي، وفي باوك اليوناني، وحتى في المنتخب، أثبت شيكابالا أنه لا يُصنّف فقط “محليًا”.

هو لاعب يمكنه أن يُطوّع الجماهير بلغات مختلفة، لأن لغة الكرة عنده لا تحتاج ترجمة.


 حين عاد إلى المنتخب مع هيكتور كوبر، وعاد ليسجل بعد غياب، كانت لحظة استثنائية.

قال: “أنا جاهز”،

وكان حقًا… جاهزًا لكتابة فصل جديد، وإن تأخر.


 

الوداع… أو بداية أخرى


الآن، يعلن شيكابالا أن الوقت قد حان.

ليس ليستريح، بل ليُسلّم الشعلة.

يقول: “الراية لازم تتنقل لحد تاني”…

لكن الحقيقة أن لا أحد يمكنه أن يحمل هذه الراية بنفس الطريقة.

الآن، يترجل الفتى الأسمر عن مسرحه.

لا يرحل فقط لاعب، بل ترحل ذاكرة جيل بأكمله، اعتاد أن يرى الإبداع متجسدًا في جسد نحيل، وابتسامة خجولة، ومراوغة لا تشبه أحدًا.


 فالفتى الأسمر لم يكن مجرد لاعب…

كان رمزًا، حالة، طيفًا يمر في المدرج فيُلهب الحناجر.

كان سندًا للفريق، وسندًا للمشجع…

هو الذي حين يراوغ، يشعر الطفل في المدرج أنه يستطيع الطيران.


لم يكن شيكابالا يومًا لاعب أرقام…

بل كان لاعب أثر.

ومن يصنع الأثر، لا يُودّع حقًا.


 أسطورة من الجنوب


حين يُذكر “الأسطوري”، يتبادر للأذهان مَن حقق البطولات.

لكن شيكابالا حقق ما هو أبقى:

جعل كرة القدم فنًا خالصًا، وجعل الانتماء للزمالك عشقًا يتجدد مع كل تمريرة.

من أسوان إلى قلب كل زملكاوي…

ومن إلى المدرج إلى القلب…

بقي شيكابالا كما هو: الولد الذي لم يكبر في أعين عشّاقه، لأنه ظل دائمًا الحلم الجميل الذي لا ينكسر.

 

ما بعد الملاعب


 شيكابالا لا يعتزل… هو فقط يغيّر موقعه من “الملعب” إلى “الأسطورة”.

سيبقى في الذاكرة كلما هتفت الجماهير، وكلما وُلد طفل يحمل الكرة وهو يحلم أن يكون مثله.

سيبقى الرمز الذي لم يرفع كأسًا كل عام، لكنه رفع الرؤوس في كل مرة لمس فيها الكرة.


 

ليس وداعًا

 

حين يعتزل شيكابالا، لا تُطوى صفحة، بل تُفتح ذاكرة.

فبعض النجوم لا تنطفئ… بل تضيء بعد الغياب أكثر.

وحين يترجل فارس من الجنوب، لا نبكي الوداع، بل نكتب له: 

“شكرًا لأنك كنت هنا…

لأنك كنت لنا.

وما زلت.”

تم نسخ الرابط