مصطفى شعبان… من يعرفه حقًا؟

ليس كل ما يُعرض على الشاشة، يُشبه من يقف خلفها.
ومصطفى شعبان… هذا الرجل الذي ظنه الناس “ابن البلد المزواج” أو “زير النساء بربع ابتسامة”،
قد لا يُشبه شيئًا مما اعتاد عليه الجمهور.
بل إن كل تلك الصور، قد تكون على النقيض تمامًا من حقيقته.

يبدو مصطفى في نظر البعض سهل القراءة،
لكن كلما اقتربت منه أكثر، أدركت كم هو محاطٌ بالظل…
ظِلّ لا يخفي شيئًا، بل يختار أن يحتفظ ببعض من نفسه لنفسه.

هو لا يتحدث كثيرًا، ولا يسعى للظهور،
يسمح لأدواره أن تتصدر المشهد،
ويترك لما تبقى من حياته أن ينمو في صمت.
من يعرفه عن قُرب، يدرك أنه رجل يهرب إلى الخيل، لا إلى الكاميرا.
يعرف معنى الصبر، ويؤمن بالخطوة الهادئة،
يمارس الفروسية كطقس لا يعرف ضجيج العالم،
ويجد في وحدة الإسطبلات ما لا يجده في الأضواء.

هو ذلك النوع من الرجال الذي يعرف متى يصمت،
ومتى يختار انسحابه دون صخب،
ومتى يعود، إن عاد، بصوت لا يطلب التصفيق.
لم يكن يومًا عاشقًا للعبة الشهرة،
بل ظل واقفًا على الحافة… يُراقب.
يراه البعض بارعًا في التلون،
ويراه آخرون متحفظًا حد الغموض.
لكنّ قلبه… لم يكن خفيًا لمن رأى.
سنوات طويلة ظل فيها اسمه مرتبطًا بسؤال مؤجل:
“لماذا لم يتزوج مصطفى شعبان؟”
كان يبتسم، ويكتفي بجملة عابرة، ويُغلق الباب.
وحين جاء الحب، جاء على مهل،
من خارج كل الحكايات الجاهزة،
كأنّ قلبه اختار أخيرًا أن يستقر،
لا على سطح، بل في عمق.
وفي وقتٍ آخر، أكثر وجعًا،
خسر مصطفى أحد أحبّته… أخاه.
رحيل لم يروِه للإعلام، بل رثاه بالصمت.
ولم يُظهر جُرحه، بل عاشه وحده، كما يليق برجل يعرف الحزن ولا يشتكي.
ورغم كل ما مرّ، ظل مصطفى هو هو…
بملامح لا تخطئها العين، وروح لا تُمسكها الكاميرا.
هو الذي ينتظر الدور لا الشهرة،
والصدق لا التصفيق،
والمعنى… لا الزيف.
اليوم، بعد سنوات من العمل، والابتعاد، والاختيارات التي لم يفهمها الجميع،
يبقى مصطفى شعبان “ممثلًا مختلفًا”، لا يُعاد إنتاجه بسهولة،
ورجلًا يُشبه فصيلة نادرة… من أولئك الذين يُحبّون الظل،
ويعرفون أن كل ما يلمع… ليس بالضرورة ذهبًا.

مصطفى شعبان… الوجه الآخر خلف قناع الأدوار
في مسيرة مصطفى شعبان الفنية، لم يكن الاختيار يومًا سهلًا.
ربما كانت الأدوار أحيانًا تُطل من نوافذ الجمهور قبل أن تخرج من نصٍّ مكتوب.
لكنه دائمًا ما حافظ على نوع من الاتزان… أو الصمت المتأمل.
تأرجح بين سينما الجريمة في “مافيا”،
وحكايات النفس في “النعامة والطاووس”،
ثم انجرف – بإرادته أو برغبة السوق – نحو الدراما الشعبية،
وصار “ابن الحارة”، “الزوج المتعدد”، “العاشق الغامض”،
الذي لا يخلو من شهامة… وإن حملته الخطايا.
وفي كل عمل، كان هناك شيء واحد لا يتغير:
هو نفسه.
حتى حين يبالغ النص، كان هو، بطريقته، يُعيد التوازن.
بابتسامة لا تقطع القلب، ولا تقطع المشهد.
لكن بعض المتابعين، وبعض النقاد،
توقفوا عند الصورة دون أن يبحثوا عن ما وراءها.
ونسوا أن هذا الرجل، الذي اعتادوا رؤيته في “الزوجة الرابعة” و”دكتور أمراض نسا”،
هو نفسه الذي بدأ فنانًا مسرحيًا، ووقف أمام يوسف شاهين،
وقدّم أدوارًا بحجم الحياة في بداياته، ثم مشى عكس التيار حين اختار البساطة لا التعقيد.
ورغم كل ذلك… بقي.
ورغم أن البعض ظن أنه انزلق إلى “منطقة الأمان”،
عاد في أعمال مثل “أبو جبل”، و”دايمًا عامر”،
ليذكّر بأن التمثيل عنده ليس تنميطًا،
بل طيفًا واسعًا… يعرف متى يتسع ومتى ينكمش.

“المملكة”… والحديث الذي فُتح رغم الصمت
الآن، اسمه يعود إلى الواجهة.
ليس بسبب مسلسل جديد، ولا تصريح لامع…
بل لأزمة تأجيل فيلمه المنتظر “المملكة”.
فيلم كان يفترض أن يُعيد مصطفى شعبان إلى الشاشة الكبيرة،
لكن المشروع توقف فجأة،
لأن المخرج ارتبط بتصوير مسلسل كندة علوش.
وهكذا، وبدون علاقة مباشرة،
صارت كندة في قلب الأزمة،
وصار مصطفى في قلب التريند.
لكنه، كعادته، لم يتدخل.
لم يخرج ليشرح، أو يلوم،
لم يدخل اللعبة من بابها السهل.
بل آثر أن يصمت… مرة أخرى.
وفي زمن لا ينجو فيه أحد من التبرير،
كان صمته أعلى من كل البيانات.

ما لا يُقال… وما لا يُرى عن مصطفى شعبان
قليلون يعرفون أن مصطفى شعبان يحمل في داخله ميلًا روحانيًا عميقًا.
ليس فقط بحبّه للعزلة أو الهدوء،
بل باهتمامه بالتصوف…
بعالم السكينة الداخلية،
وبأدب السماع،
وبكلمات تُقال من القلب إلى القلب.
وفي هذا السكون، بنى مصطفى شعبان حياته.
مشيًا بطيئًا، في طرق يعرفها القليل،
وعبر أدوار اختارها بطريقته،
لا لتُرضي الجميع،
بل لتُشبهه… في وقاره، وغموضه، ومساحته الخاصة التي لا يدخلها أحد.
في الختام…
مصطفى شعبان ليس مجرد ممثل يُعجبك أو لا.
هو رجل لا يُصنَّف بسهولة.
وفي زمن السرعة، كان اختياره أن يتأنّى.
وفي زمن الضجيج، كان اختياره أن يسمع قلبه أكثر من الجمهور.

ربما لن يكون “تريند” كل يوم،
لكنه حين يظهر، يظهر كما يحب.
بخطوة محسوبة، وصوت صادق،
وقلب… لا يفتح بابه إلا حين يشعر أن الوقت قد حان.