محرم فؤاد..نجم الحكاية الذي غنّى أمام الملوك وواجه الفن كما يواجه الرجال مصيرهم!

محرم فؤاد
محرم فؤاد

كان يمكن أن يكون محرم فؤاد مجرّد “صوت جميل” في زمنٍ امتلأ بالأصوات،

لكنه اختار أن يكون حكاية كاملة، تبدأ في حضن الروضة، حين كانت معلمة الموسيقى ترفعه بين ذراعيها ليتعلّم النوتة على الأورج،

ولا تنتهي حتى تلك الليلة التي غنّى فيها للملك فاروق، وهو لم يُكمل الثامنة من عمره،

والأطفال من خلفه كورال صغير،

بينما يقف هو في المنتصف… كأن صوته وحده وطنٌ صغير يُغنّى باسمه.
 

أراد والده أن يُبعده عن طريق الفن،

جعله يتوضأ، يجلس إلى جواره، يقرأ بصوت مرتّل…

لكن بعد رحيل الأب وهو في الثانية عشرة،

كان الطريق قد فُتح، لا بقرار… بل بجاذبية قدر لا يمكن.

في كواليس السينما، تبدأ إحدى أبرز المشاهد في حياة محرم:

المخرج هنري بركات،

المنتج حسن رمزي،

والفنان الكبير محمد عبد الوهاب يقول له في حماس:

“أنا هلحّن لك أربع أغاني لفيلمك الأول…”

لكن محرم، الشاب ذو العينين الصافيتين، قال بهدوء:

“أنا عايز محمد الموجي.”
 

غضب عبد الوهاب، انسحب من المجلس.

عُوتب محرم على جُرأته.

لكنه ردّ بجملة تشبه كثيرًا نظرته للفن:

“لو عبد الوهاب لحّن لي أول مرة… محدش هيلحّن لي بعد كده.”

 

مرّت أيام من التردّد والبحث عن بديل،

لكن في النهاية، عادوا إليه.

لأنه لم يكن مجرد مغنٍ، بل حضور لا بديل له.


 

“حسن ونعيمة” لم يكن مجرد فيلم، بل مولد نجم من لحم ودم.

 

وقف إلى جوار سعاد حسني، بعينين تحترف الصدق،

وغنّى “رمش عينه اللي جرحني”،

وخرج من السينما على أكتاف الجمهور…

نعم، حَمَلَه الناس في شوارع القاهرة،

وكانوا يهتفون باسمه،

كأن الحكاية خرجت من الشاشة إلى الشارع دون استئذان.

 

رصيده 13 فيلمًا فقط،

لكنها كافية لترسيم ملامح نجم يُتقن أن يغني بعينه قبل صوته،

وأن يترك أثرًا لا بالكم، بل بالصدق.

 

غنّى في لبنان، ومصر، وعلى المسرح،

كتب اسمه في الإذاعة والتلفزيون،

وخلّف أكثر من 900 أغنية، بعضها أصبح جزءًا من نسيج الذاكرة.

أما حياته العاطفية، فكانت لا تقل تشويقًا:

من تحية كاريوكا إلى جورجينا رزق،

ومن ميرفت أمين إلي عايدة رياض إلى آخر زيجاته منى هلال،

مرّ بالحب كما مرّ بالفن…

بعاطفة مشتعلة، ومحاولات للسيطرة، وقرارات متسرعة أحيانًا…

لكنه ظل في كل قصة هو نفسه: رجل شرقي بصوت حنون… وحضور لا يُقلَّد.

 

في يوم ميلاده، لا نذكره كواحدٍ من أبناء جيله،

بل كمن غنّى وحده في طريقٍ صعب، وأحب وحده، واختار وحده.

 

صوته لم يكن الأعلى، لكنه كان الأصدق.

موسيقاه لم تكن الأحدث، لكنها كانت الأعمق.

ووجوده، رغم قِلّة عدد أفلامه،

كأن الحكاية كانت له وحده… ثم أُغلق الباب.

محرم فؤاد…

ظلّ يغنّي حتى وهو في الظل،

يُجاهد كي يبقى الصوت حرًّا، لا تابعًا،

ويُقاوم كي يبقى الفن حياة… لا مهنة.

تم نسخ الرابط