محسنة توفيق.. فنانة كشفت عورات الواقع بصوت المرأة المنسية

تزامنًا مع ذكرى ميلاد الفنانة القديرة محسنة توفيق، يتجدد الحديث عن واحدة من أنقى الأصوات النسائية التي مرّت على الشاشة المصرية، لم تكن مجرد فنانة تؤدي أدوارها باحتراف، بل كانت صوتًا للمرأة البسيطة، وضميرًا حيًا للمجتمع، تجسدت ملامحها في وجوه نساء الكفاح، وارتفعت حناجرها دفاعًا عن القضايا التي صمتت أصوات عنها، في زمن كانت فيه المرأة تُكتب على الهامش، رسمت محسنة توفيق حضورًا لا يُمحى، وجعلت من الفن أداة للمقاومة والتنوير.
على مدى مشوار فني امتد لعقود، لم تتعامل محسنة توفيق مع التمثيل كأداء فني فحسب، بل كانت تختار أدوارها بعين الناشطة والكاتبة والمثقفة، آمنت أن الفن الحقيقي لا بد أن يكون منحازًا للحق، ومن هنا اختارت أن تسير في درب صعب، يرفض التسطيح، ويمنح المرأة موقع البطولة، لا الهامش.
بهية أيقونة الثورة والمرأة المكافحة
من بين كل أدوارها، تظل شخصية "بهية" في فيلم العصفور هي الأشهر والأقوى، ليس فقط على المستوى الفني، بل السياسي والاجتماعي أيضًا، لم تكن مجرد امرأة غاضبة، بل كانت تجسيدًا للوطن، وحالة رمزية لكل نساء مصر في لحظة مفصلية، صرختها الشهيرة "لأ، هنحارب!"
لم تكن مجرد جملة مكتوبة، بل كانت نداءً جماعيًا حملته محسنة نيابة عن أمة كاملة.
المرأة كما يجب أن تُرى
في مسلسل الوسية، تجلت قدرتها على تقديم صورة المرأة الصعيدية المكافحة، التي تصبر وتدفع بابنها نحو النور رغم قسوة الظروف. وفي ليالي الحلمية، منحت دفئًا إنسانيًا لشخصية "أنيسة"، التي كانت بمثابة الحضن لكل من حولها.
هذه الأدوار وغيرها لم تُبرز المرأة كضحية، بل كمركز قوة ودفء، تتحرك في تفاصيل الحياة الصغيرة بحكمة عظيمة.
من الفن إلى الميدان
لم يكن التزامها قضايا المرأة نابعًا فقط من الورق والنص، بل امتد إلى الواقع. وقفت محسنة توفيق وسط الميادين، ترفع صوتها في وجه الظلم وتدافع عن القضية الفلسطينية، وشاركت بثبات في ثورة 25 يناير، مرتدية الكوفية الفلسطينية في صورة ظلت عالقة في ذاكرة الوطن.
لم تتردد في دفع ثمن مواقفها، حتى إن بعض آرائها جرّتها إلى الاعتقال في مراحل مختلفة من حياتها.
تكريم محسنة توفيق
رغم مسيرتها الحافلة، لم تنل محسنة توفيق ما تستحقه من التقدير في حياتها، لكن بعض المؤسسات حاولت إنصافها، مثل مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، الذي كرّمها في إحدى دوراته يومها، تحدثت محسنة عن قضايا المرأة بصدقها المعهود، مؤكدة أن الفن يجب أن يضع الإنسان أولًا، وأن المرأة ليست ظلًا للرجل، بل ركيزة المجتمع بأكمله.