رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح
رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح

هل ستؤثر كورونا على عادات وتقاليد الشعوب بعد زوالها؟.. الإجابة في "سوق المتعة"

جاءت "كورونا" وجلبت معها للعالم الكثير من العادات الصحية والإجراءات الوقائية الجديدة، أو بمعنى أدق "المُهمَلة" من قِبل العالم، مثل التعقيم المستمر بالكحول، وغسل اليدين باستمرار لمدة لا تقل عن العشرين ثانية، وارتداء الكمامات،  و و إلخ.. من العادات الوقائية التي أصبحت روتيناً يومياً في حياتنا، وتعود عليها العالم أجمع.

ولأن وباء "الكورونا" مثله مثل الطاعون والكوليرا، فلابد أن يأتي له يوماً وينتهي مثل سابقيه، لكن السؤال، ما الأثر الذي سيتركه الكورونا ورائه، هل سيستمر العالم في إجراء العادات الصحية وإجراءات النظافة باستمرار كما اعتاد؟

سنجد في الفن ما يجعلنا نقف عند هذا التساؤل ونتأمل فيه، فهو ناقش فكرة "التعود" على عادات بعينها -حتى وإن كانت سلبية- وكيف تؤثر على أي شخص وتجعله لا يشعر بالأمان والارتياح إلا بها، ونجد هذا تحديداً في فيلم "سوق المتعة" ١٩٩٩ للسيناريست وحيد حامد والمخرج سمير سيف والفنان محمود عبدالعزيز، فمحور قصة الفيلم هو شخصية أحمد أبو المحاسن (محمود عبد العزيز) الانسان البسيط الذي يقرر السفر لكسب العيش وفي طريق عودته تنقلب حياته راساً على عقب، فيدخل السجن ظلماً لمدة عشرون عاماً، ليخرج وهو في الأربعين من عمره بشخصية غريبة الأطوار.

حيث يفاجأ محمود عبد العزيز بشخص (فاروق الفيشاوي) يزوره بعد خروجه ويخبره انه مبعوث ليعوضه عن ظلم السجن، لأن منظومته هي التي تسببت في ذلك، ويعطيه أكثر من سبعة ملايين جنيه.

والغريب أن "أبو المحاسن" فضل أن يفعل ما تعود عليه داخل السجن، وظلت عاداته التي اكتسبها تغلب عليه ولا يستطيع التعامل إلا بها لأنها تُشعره بالأمان، وأصبحت ثقافته الجديدة التي اضحت جزءًا من تفكيره وعقله، فنجده يواجه صعوبة في التأقلم مع وضعه الجديد ولا يحب الرفاهية التي وجد نفسه فيها فلا يجافيه النوم في سرير نومه في الفندق الفاخر ويفضل عليه النوم في دورة المياه بسعادة مدهشة.

ويكره البطل "أبو المحاسن" الاماكن المفتوحة والواسعة مفضلا عليها الاماكن الضيقة، ولا يقضي حاجته في دورة المياه بل في سلة المهملات، في وضع مماثل لما تعود عليه في السجن، وغيرها من التصرفات الغريبة التي تؤكد بأن السجن أصبح جزء لا يتجزأ من وعيه وتفكيره.


ثم لا يكتفي بذلك بل انه يعمل على شراء مكان معزول كعزلة السجن وجلب مأمور كان يثق في قوته بمرتب مغرٍ، ليجعل هذا سجناً مماثلاً للحقيقة فقد اعتاد على وضع ألفه طوال فترة طويلة، ولم يكن مستعداً لتغيير أولوياته وما اعتاد عليه فقد احب احمد سجنه وسجانيه ومضطهديه ولم تنفعه كل الاموال التي يملكها في الخروج من تلك الحالة.

ونجد في هذا الفيلم ما يماثل حياتنا الآن، حتى وإن كانت التفاصيل بالطبع مختلفة، إلا أن الفكرة واحدة، فنحن اعتادنا منذ فترة على الاجراءات الوقائية، وكثير منّا أصبح لديه هوس تعقيم المنزل واليدين، والنظافة باستمرار حتى وإن لم يخرج من بيته أو حتى نزل أحد أفراد بيته للشارع، فهل يستمر هؤلاء في اتخاذ هذه الإجراءات حتى بعد انتهاء الڤيروس مثل "أحمد أبو المحاسن" الذي لم يستطع الخروج من حياة السجن وتفاصيله حتى بعد أن خرج منه بسبب "التعود"، أم أن العالم سينسى كل هذه الاجراءات بمجرد زوال الفيروس؟.