"حكاوي زمان".. قصة سامية جمال وساحر الثعابين

رغم مرور السنين، وتغير الملامح، وتطور الحياة، يفضل القلب أن يظل معلقاً بتلك الأيام التي رحلت، بزمن كانت فيه البساطة عنواناً، وكانت الضحكة خارجة من القلب، وكانت حكايات الفن تروى على مهل، وتصنع بصدق، نشتاق لتلك الأيام وكأنها الوطن، نسترجعها في الأغاني القديمة، في مشاهد الأبيض والأسود، وفي حكايات النجوم الذين رحلوا بالجسد، وبقوا في الذاكرة.
ومن هذا الحنين الجميل، قرر "وشوشة" أن يأخذكم كل أسبوع في رحلة إلى زمن الطرب الأصيل والدراما الحقيقية، من خلال سلسلة "حكاوي زمان" التي نفتح فيها دفاتر الفن الجميل، ونستعرض خلالها كواليس ونجاحات ومآسي وذكريات منسية، عن نجوم صنعوا مجد الفن.
حكاية اليوم:
ومن بين حكايات الفن التي تحمل طابع الغرابة والدهشة، تبرز قصة راقصة المسرح الشهيرة سامية جمال، المعروفة بلقب "فراشة المسرح"، التي أسرت القلوب برقصاتها المبهرة وحضورها الطاغي.
في إحدى أمسيات بيروت الفنية، فوجئ جمهور أحد المسارح بحادثة غير مألوفة أثناء أداء سامية لأحد عروضها الراقصة الأجواء بدت طبيعية في البداية، المسرح ممتلئ، والتصفيق لا ينقطع.
دخلت سامية جمال كعادتها بخطوات واثقة، وحيت الجمهور بانحناءة رشيقة، ثم بدأت في تقديم رقصة ساحرة نالت إعجاب الحضور، الذين طالبوها بإعادتها فور انتهائها، من بين المتفرجين، لفت الأنظار رجل مسن تجاوز الخمسين من العمر، جلس في الصف الأول وظل يتابع العرض باهتمام مبالغ فيه، وألح بشدة على تكرار الرقصة.
استجابت سامية للطلب، وبدأت رقصة ثانية وسط تفاعل كبير، وأثناء العرض، أخرج الرجل العجوز ناياً صغيراً وبدأ يعزف نغمة غريبة، المشهد أخذ منعطفاً غير متوقع بعد لحظات قليلة، حيث تحركت سلة بجواره وخرج منها ثعبان ضخم، أخذ يتمايل بانسجام تام مع ألحان الناي، وكأنه يشارك سامية الرقصة على المسرح.
توقفت سامية فجأة وصرخت بصوت مرتفع بعد أن لاحظت المشهد الغريب، لتعمّ الفوضى القاعة في لحظات تدافع الجمهور نحو الرجل، وتدخلت قوات الشرطة بسرعة للسيطرة على الموقف، في حين توقفت العروض تماماً، وتحول المسرح إلى ساحة صدمة وذهول.
التحقيقات كشفت أن الرجل لم يكن مجرد متفرج، بل ساحر محترف حضر العرض مهووساً بفن سامية جمال اعترف بأنه أعجب بحركاتها الراقصة إلى حد قرر معه تدريب ثعبانه على تقليدها، بهدف أن يتحول الكائن الزاحف إلى نسخة راقصة من "فراشة المسرح".
الواقعة تركت أثراً بالغاً في نفس سامية، التي استوعبت أن تأثير الفن لا يتوقف عند حدود الإنسان، بل قد يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك رسالة الفن، التي تصنع بالحب والموهبة، تمتلك قدرة عجيبة على اختراق العقول والقلوب وحتى عالم السحر.
أما الساحر العجوز، فأنهى ليلته داخل الحجز، تاركاً خلفه قصة عجيبة تداولها الوسط الفني لسنوات، ودفع ثمن اندماجه المبالغ فيه مع عالم الفن بطريقته الخاصة.
قصة سامية جمال وساحر الثعابين تظل واحدة من أغرب المواقف التي عرفتها خشبات المسرح العربي، وتؤكد أن كواليس الفن ليست دائماً مليئة بالأضواء بل تحمل أحياناً وجهاً آخر من الغموض والدهشة.