صالحة قاصين.. حكاية أول امرأة تقف على خشبة المسرح

تعتبر صالحة قاصين واحدة من أهم الشخصيات الفنية في تاريخ المسرح المصري والعربي، فهي أول امرأة تصعد على خشبة المسرح في زمن كانت فيه الأدوار النسائية شبه محصورة على الرجال أو غير موجودة، حيث كانت مسيرتها الحافلة بالإنجازات تمثل نموذجاً للمرأة الطموحة التي تحدت كل الصعاب لتثبت أن الفن لا يعرف جنساً أو قيوداً اجتماعية.
في إطار ذلك، نرصد أبرز محطات صالحة قاصين تزامنًا مع ذكرى ميلادها:
النشأة والبدايات
ولدت صالحة قاصين في القاهرة عام 1878 لعائلة يهودية، حيث بدأت مسيرتها الفنية في أوائل القرن العشرين، كان الفنان محمود حجازي هو من اكتشف موهبتها، وقدمها إلى الجمهور في عام 1904 من خلال فرقة سلامة حجازي.
انطلقت في أولى خطواتها على خشبة المسرح من خلال مسرحية "ضحية الغاوية"، محطمة بذلك تقاليد كانت تمنع وجود نساء على المسرح، وممهدة الطريق أمام الأجيال القادمة.

إنجازات فنية متميزة بين المسرح والسينما
لم تقتصر موهبة صالحة قاصين على المسرح فقط، بل امتدت إلى السينما حيث شاركت في أكثر من 180 فيلمًا، تنوعت أدوارها بين الكوميديا والدراما، وأثبتت حضورها الفني في أعمال بارزة مثل "قلبي دليلي" (1947)، و"بنات حواء" (1954)، و"إسماعيل يس في مستشفى المجانين" (1958)، إلى جانب مشاركتها في مسرحيات هامة مع فرق مثل فرقة نجيب الريحاني وفرقة عزيز عيد.
دفاعها عن المرأة ومواقفها الشخصية
لم تكن صالحة قاصين مجرد ممثلة، بل كانت صوتاً قوياً لإنصاف المرأة في مجتمع محافظ، حيث تحدت التقاليد وفتحت أبواب الفن أمام النساء، مؤمنة بأن القدرة على التعبير الفني حق لكل إنسان دون تمييز.
على الصعيد الشخصي، عرفت بقصة حبها المؤثرة مع نجيب الريحاني الذي وصفها في مذكراته بأنها "مهجة القلب السيدة ص"، ورغم الحب الكبير بينهما، حالت الاختلافات الدينية دون زواجهما.
تزوجت صالحة ثلاث مرات، وكانت زيجاتها تعكس شخصية قوية ومستقلة، معززة بذلك صورة المرأة القادرة على اختيار حياتها بحرية.
كما رفضت الهجرة إلى إسرائيل، خلافًا لشقيقتها، مما يظهر تمسكها بوطنها وقناعاتها الشخصية.

إرث خالد ومسيرة ملهمة
على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على رحيلها عام 1964، إلا أن اسم صالحة قاصين لا يزال حياً في ذاكرة الفن المصري والعربي.
رحلت بعد معاناة مع مرض الزهايمر، لكنها تركت وراءها إرثاً فنياً لا يُمحى، ومسيرة من التحدي والنجاح التي شكلت نموذجاً يحتذى به للنساء والفنانات في كل زمان.
صالحة قاصين ليست فقط أول امرأة مثلت على المسرح، بل هي أيضاً رمز للتغيير والتقدم في مجال الفن، الذي عبرت من خلاله عن قوة المرأة وإرادتها في مجتمع كان يرى الفن حكراً على الرجال، حيث قصتها تذكرنا دائماً بأن الشجاعة والإصرار قادران على كسر كل القيود وبناء مسارات جديدة.
