حسن مصطفى… سيرة رجل لم يقل نكتة بل قدّم حياة

كان اسمه يُقال كما تُقال أسماء الأحبة، بلا ألقاب ولا أبهة… “حسن مصطفى”.
وكأن كل هذا الضوء لا يحتاج مقدمة.
وُلد في بيت بسيط، بين جدران تعرف القناعة، في شارع لم يره أحد ذات يوم نجمًا، لكنه كان يعرف أنه مختلف… ليس لأنه يسعى للبطولة، بل لأنه كان يملك سرًّا خفيًا: الضحك حين يكون فنًا راقيًا، لا سخرية.
لم يكن وسيمًا بالمعايير الشائعة، ولا بطلًا يُعلّق على الحوائط، لكنه كان الوجه الذي ترتاح له الأرواح. حين يظهر على الشاشة، يطمئن البيت كله… حتى الجدران تبتسم.
تلك الموهبة التي لا تُصطنع… التي لا تُدرَّس… بل تُوهب.
حسن مصطفى… حين أصبحت الضحكة مهنة نُبل
بدأ كل شيء من المسرح… ذاك الخشبة التي لا تُجامِل.
وقف أول مرة يرتجف، لكنّ الضحكة خرجت من بين شفتيه، فصفّق له الجمهور، لا لأنه أضحكهم فقط، بل لأنه صدقهم.
ما بين “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”… لم يكن حسن مصطفى يُمثّل، بل كان يعيش…
كان كل دور يقوم به قطعة من قلبه، حتى حين كان يضحك كان هناك دومًا شيء نقي جدًا خلف تلك الكوميديا.

الإفيه الذي يسبق الاسم… حسن مصطفى في ذاكرتنا الصوتية
وقد كان صوته وحده يحمل بصمة لا تُخطئها الذاكرة… لا تحتاج أن ترى وجهه لتعرفه، فقط يكفي أن تسمع إفيهًا واحدًا، لتعود بك الذاكرة إلى الزمن الجميل.

“يا ملونى… أضرب الجرس!”
صرخة لا تنسى من “مدرسة المشاغبين”، لم تكن مجرد جملة، بل لحظة انفجار ضحك لا يزال صداه ممتدًا.

“أهلاً يا عصابة!”
من “العيال كبرت”، حيث الأب الغاضب الذي نضحك معه رغم التوبيخ، لأنه يشبه آباءنا الحقيقيين.
“يا أوحى يا أوحى”
من فيلم “نص ساعة جواز”، جملة عابثة على السطح، لكنها مليئة بالدفء الشعبي الذي لا يُصطنع.

“القلم”
من “أرض النفاق”، حين تتحول أداة صغيرة إلى لحظة كوميديا عظيمة في يد من يعرف كيف يصنعها.
“دي من أعظم الشركات”
في مشهده الشهير بفيلم “مرجان أحمد مرجان” مع الزعيم عادل إمام… جملة ساخرة صنعت من لحظة قصيرة موقفًا استثنائياً .
كل هذه العبارات، لم تكن مجرد كلمات مرتجلة، بل “ذاكرة شعب”، و”ضحكة جيل”، و”لغة زمنٍ أحب أن يضحك دون أن يُحرج أحدًا”.

ميمي جمال بعد حسن مصطفى… التمثيل بظل الحبيب
تزوج من عُمره الثاني… ميمي جمال.
امرأة فهمت أنه ليس فقط زوجًا، بل حياة على هيئة رجل.
تزوجت ميمي جمال من حبيبها وشريك مشوارها، حسن مصطفى، وظلّت إلى جواره حتى النهاية.
وحين رحل، لم تَعد الحياة كما كانت.
لم يكن الأمر حزنًا عاديًا… بل انطفاء داخلي.
فانسحبت من الفن، كأنها تُسدل الستار على فصلها الأجمل.
قالت: “مقدرتش أكمل من غيره.”
وغابت.

لكن الفن، مثل الحياة، له طُرقه في إعادة من يُحبهم.
وبعد سنوات، عادت… لا لأنها نسيت، بل لأنها تعلمت أن من يُحب بحق… يُكمل، ولو بصعوبة.
عادت تُمثّل، ولكن ظلّ في ملامحها ظلّه، وفي صوتها بعضٌ من صوته،
وكأنها تقول لنا: “أنا هنا… بس هو لسه معايا، جوايا.”

هل تعرف ذلك النوع من الناس الذي لا تراه كثيرًا، لكنك حين تفتقده تشعر أن شيئًا أساسيًا غاب؟
هذا هو.
جُزء منّا، كما يكون الأب أو الخال أو المعلم أو الضحكة البريئة في زحام الوجوه المصطنعة.
رحل في صمت، كما عاش.
لكنّ روحه بقيت…
في المسرح، في السينما، في شوارع الطفولة، في ضحكة لن تتكرر بنفس العظمة.
وكلما غاب شيء حقيقي عن هذه الدنيا… نعود إلى أمثاله.
إلى من لم يمثّل يومًا… بل كان “هو نفسه”،
وكان هذا كافيًا ليصير حسن مصطفى.