"السينما بتحكي تاريخ".. "إحنا بتوع الأتوبيس" حين تحول التعذيب إلى مشهد فواجه المنع

في ظل الحنين المتزايد لدى الجمهور لأفلام الزمن الجميل، واهتمامه المتصاعد بالأعمال الفنية التي تجسد وقائع تاريخية كبرى من ذاكرة مصر والعالم العربي، تظل السينما أحد أبرز أدوات التوثيق الفني التي تحفظ البطولات وتخلد الشخصيات المؤثرة، من خلال رؤية درامية تجمع بين الإبداع والواقع، وتمنح التاريخ حياة جديدة على الشاشة.
وفي هذا الإطار، أطلق "وشوشة"مبادرة فنية جديدة تعرض بشكل أسبوعي، وتهدف إلى تسليط الضوء على أبرز الأفلام المصرية المستوحاة من أحداث حقيقية صنعت الفارق في الوعي الجمعي، ونقلت قصصاً من كتب التاريخ إلى شاشات السينما.
وفي الحكاية الرابعة من السلسلة، نعود إلى أحد أكثر الأفلام تأثيراً وإثارة للجدل في تاريخ السينما المصرية، فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"، الذي صدم المشاهدين بواقعيته القاسية، وقدرته على كشف ما كان يدور خلف جدران السجون من تعذيب وظلم، في فترة من أحلك الفترات السياسية، الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية وردت في كتاب "خلف الأسوار" للكاتب جلال الدين الحمامصي، لكنه رغم ذلك تم منعه من العرض لفترة طويلة.
صدر فيلم"إحنا بتوع الأتوبيس" عام 1979، إلا أنه واجه المنع من العرض فوراً، رغم مرور سنوات على وفاة أبرز المسؤولين المرتبطين بالوقائع التي تناولها، ويعود سبب المنع إلى جرأة الفيلم في عرض وقائع التعذيب والانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون داخل السجون خلال فترة ما قبل نكسة يونيو 1967، وهو ما اعتبرته الرقابة آنذاك كشفاً فاضحاً لتجاوزات أجهزة الأمن في تلك الحقبة.
وتدور أحداث الفيلم حول مشاجرة بسيطة تقع بين راكبين في أتوبيس نقل عام مع محصل التذاكر، يتم على إثرها تحويل الجميع إلى قسم الشرطة، لكن نتيجة خطأ إداري، يرحل الراكبان إلى السجن الحربي حيث يعاملان كمعتقلين سياسيين وهناك، يواجهان أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وتتصاعد الأحداث حتى تصل إلى ذروتها مع اندلاع نكسة 1967، لتنتهي المأساة بوفاة أبطال القصة.
ورغم الحظر، إلا أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرر في وقت لاحق السماح بعرض الفيلم، بعد أن اطلع بنفسه على مضمونه وما يكشفه من حقائق.
الفيلم من تأليف رأفت الميهي، وإخراج حسين كمال، وقام ببطولته النجمان عادل إمام في دور "جابر"، وعبد المنعم مدبولي في دور "مرزوق" وقدما معاً أداءً درامياً مؤلماً يجسد القمع والظلم الواقع على الأبرياء في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد، حيث طبقت عليهم تهم زائفة بالعداء للنظام.