في ذكرى رحيله.. كيف جسّد عاطف الطيب قضايا المرأة في السينما المصرية؟

تحلّ ذكرى وفاة المخرج الكبير عاطف الطيب في 23 يونيو، وسط استحضار لمحطات فنية تركت بصمة لا تُنسى في وجدان المشاهد المصري والعربي. وبرغم ما عُرف عنه من اهتمام بقضايا الطبقة الكادحة ومقاومة الفساد، فإن أفلامه لم تغفل عن تسليط الضوء على المرأة المصرية ومعاناتها في واقع يغلب عليه القهر الاجتماعي والاقتصادي.
جسّد الطيب صورة المرأة المهمشة والمناضلة والمقهورة، بعيدًا عن النماذج النمطية، فكانت أفلامه مرايا حقيقية لانكساراتها وصراعاتها.
فيلم "الحب فوق هضبة الهرم"
أبرز أفلام عاطف الطيب التي ناقشت أوضاع المرأة كان فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" (1986) المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ.
قدم من خلاله الطيب نموذجًا لفتاة بسيطة تُجبر على الزواج سرًا، فتعيش حالة من التناقض بين الحب والواقع الاقتصادي الخانق.
وقدّم الفيلم صورة قاتمة لأحوال الشباب والفتيات في مجتمع يفرض قيوده على الحب والحرية، وكان مشهد اللقاء الحميمي أسفل الهرم رمزًا لصدام الأحلام مع القيم الاجتماعية التقليدية، كما عبّر عن اختناق المرأة ضمن منظومة تفرض الوصاية على اختياراتها.

فيلم "قلب الليل"
تناول عاطف الطيب في فيلم "قلب الليل" فكرة التمرد على السلطة الأبوية والأعراف الاجتماعية، من خلال شخصية "مروانة" الفتاة الغجرية التي جسّدتها هالة صدقي. كانت شخصية مروانة تمثل المرأة التي تسعى للتحرر من القيود، وتفرض وجودها في مواجهة مجتمع لا يعترف بحريتها.
وضع الطيب هذه الشخصية في قلب الصراع بين الفرد والمؤسسة، لتصبح رمزًا للأنوثة المتمردة التي لا تقبل الترويض.

فيلم "جبر الخواطر"
فيلم "جبر الخواطر" يُعد من أواخر أعمال عاطف الطيب، وقد تم استكماله بعد وفاته، دار الفيلم في أروقة مستشفى للأمراض النفسية النسائية، حيث قدّم معاناة نساء معزولات داخل جدران المستشفى، لكن كل منهن تحمل قصة وقهرًا إنسانيًا عميقًا.
قدّمت شريهان دورًا لافتًا في الفيلم، الذي اختار الطيب أن يختتم به مسيرته بنظرة شفافة وحقيقية للمرأة ككائن يعاني من التجاهل والخذلان.

المرأة في أعمال أخرى
رغم أن بعض أعماله لم تكن محورها المرأة بشكل مباشر، فإن الطيب لم يتوقف عن إدماج قضاياها في السياق العام، ففي أفلام مثل "الزمار" و"البرىء" و"ملف في الآداب"، تناول بشكل غير مباشر قضايا الشرف والسلطة الذكورية والرقابة على أجساد النساء وسلوكياتهن، وسلّط الضوء على التناقضات بين القانون والأخلاق المجتمعية، وعلى ما تتعرض له المرأة من ظلم بسبب الأفكار السائدة أو تدخلات الدولة.

رؤية سينمائية منحازة للمرأة بصدق
تميّزت أفلام عاطف الطيب بواقعية موجعة وانحياز واضح للطبقات المطحونة، وكانت المرأة دائمًا جزءًا من هذه الطبقات. لم يُقدّمها كعنصر جمالي أو مكمل درامي، بل كإنسان له قضاياه وأحلامه وانكساراته، فاستطاع أن يمنحها حضورًا قويًا ومؤثرًا دون مبالغة، مستخدمًا الكاميرا كأداة كشف حقيقية لمعاناة النساء في المجتمع المصري.