٢١ يونيو… حين تحوّل الحب إلى تقويم، والغياب إلى أسطورة

عبد الحليم حافظ و
عبد الحليم حافظ و سعاد حسنى

ميلاد عبد الحليم… رحيل سعاد… وصمتٌ لا يُفسّره سوى القدر

في فيلمٍ كتبه الزمان بنفسه،

واختار له نهايته قبل أن يبدأ،

شهد يوم الواحد والعشرين من يونيو، مشهدًا لم يكن ليتخيّله أحد…

مشهدٌ لم يُصوَّر بكاميرا، بل بخفقة قلب، وبدهشة قدر.


في هذا اليوم،

وُلد عبد الحليم حافظ…

وغابت سعاد حسني.

وكأن السماء قالت كلمتها:

“الحب الذي لم يكتمل على الأرض… سيكتمل في التاريخ.”

 

المشهد الأول: عبد الحليم يولد… ويولد معه الإحساس

 

21 يونيو 1929…

قرية الحلوات، محافظة الشرقية.

وُلد طفل نحيل، ضعيف البنية، يتيم الأم، ثم الأب…

لم يكن يعرف أن الحزن سيكون حليفه، وأن المرض سيكون رفيقه،

لكن لم يكن يدري أيضًا، أن صوته سيصير عزاء أمة،

وأن حنجرته ستصير جسرًا بين القلوب.


عبد الحليم… لم يكن مغنيًا فقط.

كان عاشقًا لكل ما يؤلم، ومؤمنًا بأن الفن دواء للخذلان.

في صوته، كان الحنان والحزن يتعانقان…

وفي عينيه، كانت القصائد تسكن دون أن تُكتَب.


حين غنّى “جانا الهوى”،

لم يكن الهوى هو المقصود فقط، بل الوطن، والحب، والفقد، والشجن.

وحين قال “أنا كل ما أقول التوبة”،

كان الجمهور يتوب من حزنه على صدره،

ويعود ليغرق في رجفة عبد الحليم.


 

المشهد الثاني: سعاد ترحل…

 

21 يونيو 2001…

لندن.

مدينة باردة، وغريبة، وصامتة.

في شرفة عالية، سقطت سندريلا الشاشة،

التي كانت، وما زالت، رمز البهجة التي تخفي دمعة.


سعاد حسني…

ضحكتها كانت حياة، وبكاؤها كان صادقًا إلى حدّ الفضيحة.

عاشت بين الأضواء، وماتت في الظل.


قيل إن موتها صدفة، وقيل إنه سقوط،

لكن أحدًا لم يُنكر أن وجعها كان سابقًا…

وأنها، ربما، ماتت أكثر من مرة قبل أن ترحل فعليًا.


 

المشهد الثالث: بينهما… قصة لم تُكتب، لكنها عاشت

 

لم يُعلن عبد الحليم حبه لسعاد،

ولم تُقر سعاد به أمام أحد،

لكن الصور، والمناسبات، والتقاطعات، والهمسات،

كلها كانت تقول شيئًا آخر…

كأن الحب بينهما لم يحتج إلى إثبات.


قيل إنهما تزوجا سرًا…

وقيل إنهما لم يتزوجا.

قيل إن “رسالة من تحت الماء” كُتبت لها،

وقيل إن “أي دمعة حزن” خرجت من صدره، يوم قال وداعًا دون أن يقولها.


الحب بينهما كان لغزًا،

لكن من قال إن كل حب يجب أن يُفهم؟

بعض القصص لا تُروى بالكلام،

بل تُعاش في النظرات، وتُفهم في الصمت، وتُكتب في توقيت القدر.


المشهد الرابع: ٢١ / ٦ … مصادفة؟ أم رسـالة سماوية؟


أن يُولد عبد الحليم في ٢١ يونيو…

وأن ترحل سعاد في نفس اليوم بعد ٧٢ عامًا…

ليس مجرد مصادفة، بل توقيع سماوي على ورقة العاشقين.


هل كان هذا التاريخ وعدًا خفيًا؟

هل هو يوم اللقاء الذي لم يتم،

لكن أرادت الحياة أن تخلّده كـ”ذكرى بديلة” عن زفاف لم يُكتب؟

 

٢١ / ٦ …

رقم عادي في أوراق الآخرين،

لكن عندنا نحن، هو بابٌ يُفتح على زمن الحب النقي،

زمن الأبيض والأسود، زمن الصوت والروح.

 

 

المشهد الأخير: الناس تسأل… والزمن يهمس
 

لماذا لم يكتمل حبهم؟

هل الحب الكبير لا يُعلن؟

هل هناك من لا يستحق بعضه، فيحتفظ الزمن به لنفسه؟

هل كانوا لبعض؟

أم كانوا لزمنٍ لا يعود؟


الناس لا تزال تسأل،

والتاريخ لا يزال صامتًا،

كأنه يحفظ السر،

أو كأنه يقول:

“الحب الحقيقي لا يحتاج إثباتًا… يكفي أن ٢١ يونيو لم يعد يومًا عاديًا بعدهم.”


 

النهاية المفتوحة: حين يصبح الغياب بداية الخلود


 

عبد الحليم ما زال يغني…

وسعاد ما زالت تضحك.

لا من فوق المسرح، ولا عبر الشاشة،

بل من داخلنا… حيث لا يموت الحب.


 

وفي كل عام،

حين يصل ٢١ يونيو،

نشعر بشيء لا نُفسّره…

حنين مجهول، دمعة بلا سبب، رجفة قلب كأن أحدهم ينادينا من بعيد.

 

فهل هو صوت عبد الحليم؟

أم ظل سعاد؟

أم هو التاريخ نفسه،

يذكّرنا أن هناك حُبًا… لم يُعاش، لكنه عاش إلى الأبد؟

 

٢١ يونيو… يوم لم يختره أحد، لكنه اختار أن يكون شاهدًا.

على حبٍ لم يبدأ… ولم ينتهِ.

بل صار تقويمًا، صار سينما، صار حياة…

صارت ذكراهما، هي ما تبقّى لنا من زمنٍ كانت فيه المشاعر تُكتب قبل أن تُقال.

تم نسخ الرابط