مرة أخرى، تُقدم الدراما الأمريكية رؤيتها حول سيناريو كارثي يضرب الولايات المتحدة، لكن هذه المرة، يتجاوز مسلسل Designated Survivor (الناجي المعين) فكرة أحداث 11 سبتمبر ليصوغ واقعًا أشد قسوة وتهديدًا.

 

العمل الإرهابي هنا يتخطى حدود التدمير المادي، ليُطيح انفجار الكابيتول أثناء إلقاء الرئيس خطابه في لحظة واحدة بحياة أكثر من ألف فرد من النخبة السياسية، بما في ذلك الرئيس الأمريكي نفسه، ورجال إدارته، وأعضاء الكونجرس..
في غضون لحظات، تُصبح أمريكا في حالة صدمة هائلة تُهدد وجودها.

 

في خضم الفوضى، تبرز شخصية المهندس الكفء توم كيركمان، الذي اختاره الرئيس الأمريكي لتوه ليكون وزيرًا للإسكان والتنمية المحلية..

ما لم يكن في الحسبان هو أن يصبح كيركمان الناجي الوحيد من الإدارة الراحلة، ليجد نفسه فجأة على مقعد أقوى رجل في العالم، رغم افتقاره التام للخبرة السياسية. ينطلق المسلسل بأحداث متسارعة ومثيرة في ثلاثة محاور رئيسية تُشكل نسيج هذه الدراما السياسية المعقدة:

المحور الأول: إدارة كيركمان للملفات الخطيرة. يتولى كيركمان دفة القيادة بروح جديدة، وسط تشكك الجميع في قدراته. يحافظ على أخلاقياته والتزامه باحترافية الإدارة، مستعينًا بذكائه الحاد ومعاونيه المخلصين.. رحلة مثيرة في دهاليز الإدارة الأمريكية لرجل بلا خبرات سياسية، لكنه في كل لحظة يُقدم مفاجأة مُدهشة، مُثبتًا أن القيادة الحقيقية لا تقتصر على الخبرة المسبقة.


المحور الثاني: المؤامرة الإرهابية المتوحشة. تزداد المؤامرة الإرهابية واسعة النطاق التي تستهدف أمريكا توحشًا، فكان تفجير النخبة السياسية مجرد بداية. يكشف المسلسل عن شبكة معقدة من التهديدات التي تُبقي المشاهد على أعصابه، وتُظهر مدى عمق التخطيط الذي يستهدف قلب الدولة الأمريكية.


المحور الثالث: الحياة الأسرية للرئيس. لا تحترم السياسة خصوصيات الأسرة، وهذا ما يوضحه المسلسل عبر تتبع الحياة الشخصية للرئيس كيركمان بين زوجته المحامية الحقوقية المهتمة بملف الأقليات واللاجئين والمهاجرين، وبين ابنه المراهق..
تُنتهَك أسرار دفنها الزمن، وتُلقي الأضواء على التحديات التي يواجهها قادة العالم في الموازنة بين واجباتهم العامة وحياتهم الخاصة.

 

خلال تلك المحاور، يتماس المسلسل مع قضايا فكرية وأخلاقية متعددة. من أبرز ما استوقفني عرضه لقضية الجالية المسلمة في أمريكا، بين المتوجسين والخائفين، وبين الملتزمين بقضايا الحريات والحقوق..
يُقدم المسلسل نظرة ثاقبة على التوترات والتحديات التي تواجه هذه الجالية في أعقاب الأحداث الإرهابية.

 

في إحدى الحلقات، يُحاول الرئيس كيركمان استعادة الحياة السياسية الطبيعية ويدعو لانتخابات برلمانية لاستكمال أجنحة الحكم والدولة. يُشن الإرهابيون هجومًا بيولوجيًا على اللجان الانتخابية؛ فتنتشر حالة الذعر ويُحجم الناخبون عن التصويت. في هذا المشهد المؤثر، يذهب كيركمان ليُدلي بصوته ويدعو مواطنيه للالتزام بواجبهم الوطني تجاه ديمقراطيتهم الدستورية، فيتوافد المواطنون على المقار الانتخابية للإدلاء بأصواتهم لتنهض الدولة من جديد، مُبرزين قوة الإرادة الشعبية في مواجهة التحديات.

 

وفي مشهد آخر يُجمع بين كيركمان ورئيس أسبق مُعتزل، يُخاطب الرئيس الأسبق كيركمان بأنه نجح في موقع الرئيس رغم عدم خبرته السياسية وأنه لم يخدم في الجيش من قبل، وكأنها شروط صلاحية لتولي منصب الرئيس.


المسلسل حافل بالدعاية المؤيدة للديمقراطية الأمريكية وتمجيد صريح لأخلاقيات "الكاو بوي" شرطي العالم ومُنقذ المظلومين..

رغم وجود بعض الفجوات الدرامية، إلا أن Designated Survivor يُعد عملًا فنيًا رائعًا من نوعية الأعمال التي "تلتهم المشاهد" ولا تتركه بسهولة.
المسلسل أمريكي، عُرض موسمه الأول على قناة ABC عام 2016

المسلسل من تأليف ديفيس جانجهايم
لعب دور البطولة في شخصية الرئيس الأمريكي الممثل كيفر سيذرلاند، وقامت الممثلة الإنجليزية ناتاشا ماكيلهون بدور زوجته المحامية الحقوقية، وشارك في التمثيل أيضًا كال بين، وإيطاليا ريتشي.
حققت الحلقة الأولى من المسلسل نسبة مشاهدة قياسية تجاوزت 7.6 مليون مشاهدة، وحاز على تقييم عالمي 7.8، وهو ما أعتقده تقييمًا ظالمًا للمسلسل الذي يستحق تقديرًا أكبر. يتكون المسلسل من موسمين: الموسم الأول من إحدى وعشرين حلقة، أما الموسم الثاني فأربع عشرة حلقة.

تم نسخ الرابط