في كل مرة تطالعني فيها مقاطع أو مشاهد جديدة للفنانة الشابة أميرة أديب، أتوقف متأملاً، لا في أدائها فقط، بل في ردود الفعل التي تحاصرها على المنصات الرقمية، هي ردود تتراوح بين التنمّر الوحشي والتهكم المبتذل، كأن هذه الشابة اقترفت جرماً لمجرد انتمائها لأسرة معروفة أو لكونها لم تأتِ من "العدم الفني"، أو كما يتوهم بعضهم أن النجاح لا يُستحق إلا بالمكابدة وحدها، لا بالموهبة والاختيار والدراسة.

التعليقات على مقاطعها ليست نقدا فنيا أو رأيا شخصيا، إنها رغبة متوحشة في إيلام المراهقة الموهوبة وتحطيمها، وتشكيكها في جمالها وموهبتها فقط لأنها ثرية ومن عائلة مشهورة..

لقد شدتني شخصياً في عملين متباعدين نوعياً: دورها الحيّ والحميمي في مسلسل "مين قال؟" الذي قدّمت فيه شخصية المراهقة الرقيقة بتفاصيل واقعية.. 
وفي رمضان الماضي، أدهشتني بجرأتها وإتقانها لتجسيد المراهقة المتنمّرة في "عايشة الدور" إلى جانب دنيا سمير غانم، فبدت وكأنها تتقافز بسلاسة بين شخصيتين على طرفي نقيض، وهو تحدٍّ لا يُستهان به، ووعي يفوق سنها ألا تحبس نفسها في شخصية واحدة..

أميرة ليست مجرد شابة موهوبة، بل واعية أيضًا بمسارها الفني، درست الإخراج والتمثيل في الولايات المتحدة، لا شك أن هذا التعليم الأكاديمي منحها أدوات فنية أكثر اتزانًا مما يُمنح عادة في بدايات المسار.

كان من المدهش أن تخرج فنانة شابة في مثل سنها بتصريحات تؤكد فيها التزامها بالحفاظ على البيئة واستخدامها لملابس مستعملة، وعي نادر في وسط فني يُهيمن عليه الاستعراض والاستهلاك. هو موقف يتجاوز الموضة، ويُترجم وعياً اجتماعياً وثقافياً قلّ نظيره لا في الوسط الفني فقط بل ربما في المجتمعات العربية بصفة عامة.
يعجبني جدا أيضا ثباتها الانفعالي في مواجهة حملات التنمر القاسي، يعجبني إيمانها بموهبتها وإصرارها..

ما تتعرض له أميرة أديب من هجوم مبرمج أغلب الوقت، عشوائي أحيانا، يكشف هشاشة الذائقة الجمعية وارتباك معايير الحكم على الفنان، حيث يُجرَّم الانتماء الطبقي، وتُدان النشأة الثرية، وكأنما الموهبة تُكتسب من الشارع فقط..

أنا لا أرى في دفاعي عنها حالة تفرّد، بل محاولة للفكاك من "سطوة التيار"، والانعتاق من هيمنة "عقول اللجان"، من ذلك التوجيه الجمعي القائم على التصنيف لا التقييم، وعلى التصيُّد لا التحليل..

تم نسخ الرابط