عن الزواج، الوسواس، والونس الحقيقي… شهادة حياة من شريف مدكور

شريف مدكور
شريف مدكور

في زمنٍ تتصدر فيه العناوين الصاخبة، وتُختزل الحكايات في لقطات قصيرة ومجتزأة، يظهر شريف مدكور كشخصية استثنائية، لا تُقاس بكمّ الظهور، بل بكيفية الحضور. رجلٌ قرر أن يعيش كما هو، بلا رتوش، بلا تزييف، وبلا تنازلات عن “حقه في أن يكون نفسه”.

ليست هذه المرة الأولى التي يُحدث فيها الإعلامي المصري شريف مدكور جدلاً بتصريحاته، لكنه هذه المرة لم يتحدث عن الموضة، أو وصفات الجدات، أو فنون الضيافة. بل تحدث عن نفسه، كما لم يفعل من قبل. عن وحدته التي لا يراها عزلة، وعن طباعه التي يعتبرها حدودًا واضحة بينه وبين ما يزعجه، عن الزواج كفكرة مؤجلة إلى سن الستين، ليس يأسًا ولا انتظارًا للحب، بل نضجًا واكتفاءً.

 

“لا أحتمل أن ينام أحد بجواري”

في لقائه الأخير مع بودكاست “ع الرايق”، لم يُخفِ شريف مدكور شيئًا، قالها ببساطة ربما بدت صادمة للبعض: “صعب حد يعيش معايا في نفس المكان 48 ساعة”. وصف دقيق لرجل يعرف طباعه جيدًا، ويعرف تمامًا أن الزواج ـ بوصفه مؤسسة اجتماعية تقوم على التقارب الجسدي والنفسي اليومي ـ لا يُناسبه الآن، وربما لا يناسبه أبدًا.

“أنا عندي OCD… بقرف من نفسي أحيانًا”، هكذا عبّر عن حالته، كاشفًا عن جانب نفسي دقيق، لا يُناقش كثيرًا في المجال العام، وهو التوتر الناتج عن اضطراب الوسواس القهري، خاصة حين يمتد لمساحة العلاقات الحميمة.

وربما ما بدا “انفصالاً عن العاطفة” في حديثه، هو في حقيقته شكل آخر من أشكال الصدق مع الذات. فالرجل الذي لم يخشَ أن يعلن إصابته بالسرطان منذ سنوات، وعاد بعدها أكثر حضورًا ونضجًا، لا يجد غضاضة في أن يبوح الآن بأنه لا يرغب في الزواج إلا لو توافرت الشروط التي تجعله إنسانيًا وبسيطًا وخفيفًا عليه… بلا صخب ولا مسؤوليات، وربما من سيدة لديها أبناء كبار، ليكون كل منهما “ونسًا” للآخر، لا عبئًا.

 

“أنا وأهلي وكلابي”

في مجتمعات تُقاس فيها السعادة بعدد الأبناء، يُصرّ شريف مدكور أن سعادته تتجسد في أمه وأسرته وكلابه السبعة عشر. علاقة تبدو للبعض غرائبية، لكنها في عمقها انعكاس لعاطفة نقية، وحرص على الاحتفاظ بـ”مساحته الخاصة” دون اختراق.

كلبه الثامن عشر من نوع خاص، لا يدخل البيت، ولا يلمسه، لكنه يشاركه لحظات يومية تشبه الطقوس… وهذا الاختيار الصارم ليس قسوة، بل اتساق مع عالم داخلي لا يقبل التطفل.

 

الصوت المختلف الذي لا يريد أن يكون بطلًا

ربما لا يعرف البعض أن شريف مدكور أحد الأصوات التي نحتت طريقها دون ظهير أو دعم سياسي أو فني. صعد بهدوء، واحتفظ بهالته الخاصة بعيدًا عن هوس التريند. يتحدث عن الدين ببساطة، عن الصحة بشفافية، عن الحزن بابتسامة، وعن الرضا كمن عرف طريقه وسلكه وحده.

هو ليس “ضد الزواج”، لكنه “مع النفس”… مع الاعتراف بأن بعض الناس لا يُخلَقون للعلاقات التقليدية، ولا يجب أن يُحاسبوا على ذلك. وقدرته على قول هذا، علنًا، أمام مجتمع لا يزال يخلط بين “الاختيار” و”العيب”، تستحق احترامًا كبيرًا.

شريف مدكور ليس إعلاميًا فقط، بل حالة.
حالة من الصدق الصادم أحيانًا، لكنه صدق يُوقظ الأسئلة.
عن المعايير، عن الحرية، عن المعنى الحقيقي للعائلة… وربما عن الحب نفسه.
لأنه ببساطة: اختار أن يعيش على طريقته، لا كما يريد الناس.

تم نسخ الرابط