سميحة أيوب… حين يسدل المسرح ستاره على سيدة لم تغادره أبدًا

سميحة أيوب
سميحة أيوب

سكن المسرح فجأة. توقّف الزمن للحظات.
رحلت سميحة أيوب، ولم يكن الخبر عادياً… بل وكأن ركيزة من ركائز المسرح العربي قد انسحبت بهدوء، بعد أن أدّت دورها في الحياة بشرف، وبإجادة نادرة.

لم تكن سميحة فنانة عابرة، بل كانت “سيدة المسرح العربي” بكل ما تحمله الكلمة من وزن وهيبة.

في زاوية هادئة من كواليس المسرح القومي، ظل الضوء خافتًا، كما لو أن المكان يعرف أن واحدة من أقدم الأرواح التي سكنته قد رحلت.

لم تكن مجرد ممثلة تعبر الخشبة كل مساء، كانت المسرح نفسه… بصوته، بأعمدته، بغباره، بوهجه، برهبة الستارة الثقيلة قبل الافتتاح.

هي "بنت من شبرا"، ودرست في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولم تكن طالبة عادية، بل كانت تحت عين زكي طليمات نفسه، وهو يرى فيها مشروعًا لم يُخلق من فراغ، بل من حُب الفن، من الصبر، من الحلم.

منذ بدايتها، لم يكن المسرح لها بابًا بل بيتًا.
مشوارها بدأ في صمت، لكنه لم يتوقف أبدًا.
170 مسرحية… تخيّل الرقم؟ كل ليلة، صوت، حركة، دمعة، رهبة.
من رابعة العدوية إلى سكة السلامة، ومن دماء على أستار الكعبة إلى دائرة الطباشير القوقازية… كانت كل خشبة تشتاق لخطوتها، وكل جملة تنتظر خروجها من فمها لتصير حقيقية.

لكنها لم تكتفِ بالوقوف أمام الستار.
دخلت أعماقه، أدارت المسرح الحديث، ثم المسرح القومي مرتين. كانت تُعيد الانضباط للأماكن، كأنها تعلّم الجدران نفسها كيف تحترم الفن.
حتى الإخراج جربته، وأخرجت الباسبور، مقالب عطيات، ليلة الحنة… لأنها ببساطة لا تعرف التوقف حين يكون العطاء ممكنًا.

الحديث عن سميحة أيوب ليس حديثًا عن فنانة، بل عن مرحلة كاملة من المسرح المصري الذهبي.
تعاونت مع يوسف وهبي، زكي طليمات، فتوح نشاطي، ووقفت بجوار كرم مطاوع، سعد أردش، جلال الشرقاوي، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، سمير العصفوري… كانت تحيا بينهم كأنها تراث حي.

ورغم أن المسرح كان قلبها، لم تنسَ الكاميرا.
في السينما، تركت أثرًا بهدوء الرصينين: أرض النفاق، فجر الإسلام، بين الأطلال،…
وفي التلفزيون، كانت الحضور النبيل في: الضوء الشارد، أوان الورد، أميرة في عابدين، المصراوية.

كرّمتها دول ورؤساء، من عبد الناصر إلى السادات، ومن حافظ الأسد إلى جيسكار ديستان.
لكن التكريم الحقيقي كان في دموع من وقف معها على المسرح، وابتسامة جمهور صدّقها حتى النهاية.

اليوم، وقد أسدل الستار الأخير، لا نبكي فقط… بل نتذكّر.
نتذكّر كيف يمكن لإنسانة واحدة أن تملأ قاعة كاملة بالحياة، أن تُربّي أجيالًا بالصمت، أن تشرح فنًا بنظرة، أن تقول أكثر مما يُقال.

تم نسخ الرابط