أسامة أنور عكاشة… العاشق الذي امتلك مفتاح مدينة لا تنفتح إلا بالحب.

أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة

ما الذي يجعل كاتبًا عظيمًا يختار مدينة واحدة، فيحبها دون قيد، ويمنحها كل حكاياته؟
في حياة أسامة أنور عكاشة، كانت الإجابة دائمًا: الإسكندرية.

“أنا السؤال والجواب… أنا مفتاح السر وحل اللغز.”
تلك الكلمات التي نطق بها يحيى الفخراني في تتر زيزينيا، لم تكن مجرد افتتاحية لمسلسل، بل كانت اعترافًا غير مباشر من عكاشة عن نفسه..
الإسكندرية كانت سؤاله الأول… وإجابته الأخيرة،
كانت السرّ… وكانت حله،
كانت كل ما أراد قوله، وكل ما أخفاه.


وطن بالاختيار… لا بالورق

لم يُولد فيها، لكنه حين اختار أن يكتب نفسه بصدق،
لم يجد غيرها وطنًا ومحرابًا وملهمة.
قال عنها ذات مرة:

“في القاهرة، الوقت منتهي… أما في الإسكندرية، فأنا أملكه.”
في هذه المدينة، لم يكن مجرد كاتب،
بل إنسانًا يستردّ نفسه، كلما جلس في صمت أمام البحر.


في كل ما كتب، كانت الإسكندرية حاضرة، حتى لو لم يُذكر اسمها.
لكن في بعض أعماله، أفرد لها بطولات كاملة، وجعلها هي الحكاية.

🔹 في “زيزينيا”، كتب الانتماء المعلّق بين ثقافتين، والحبّ المختبئ في زوايا الذاكرة،
وكانت المدينة هناك بكل تفاصيلها: رائحة البحر، وملامح الأرصفة، وصمت المقاهي.

🔹 في “الراية البيضا”، كشف صراع الطبقات وفساد الذوق العام،
وكانت الإسكندرية المكان الذي يشهد انهيار بيوت لا تُقاس قيمتها بالمال.

🔹 في “النوة”، كانت المدينة تبكي، لا فقط بمطرها، بل بمَن فقدوا دفء الروح فيها.

🔹 في “ضمير أبلة حكمت”، كتب عن المدينة من زاوية تربوية، عن المدارس العتيقة التي تمثّل قلب الإسكندرية النابض بالقيم، وعن امرأة — تمثل الضمير نفسه — تقاوم التآكل الأخلاقي وحدها،
بهدوء يشبه البحر، وثبات يشبه الموج حين يعود.

🔹 أما في “عفاريت السيالة”، فقد نزل بأسلوبه إلى العمق الشعبي للمدينة،
كتب عن السيالة،، عن الشوارع، لا كضحايا، بل كوجوه حقيقية للعاصمة الساحلية التي لا يعرفها الزائرون.

كانت السيالة في المسلسل مدينة كاملة داخل المدينة،
مليئة بالصراخ والحنين والكرامة الموجوعة…
وكان عكاشة يرسمها كما هي: موجعة، جميلة، لكنها حيّة.


مدينة واحدة… بألف وجه

لم تكن الإسكندرية مجرد مكان يكتب فيه،
بل كانت المدينة التي فهمت صمته، واحتضنت قلقه، وسمحت له بأن يكون نفسه.
احتوته، وكتبها كما لم تُكتب من قبل، ولا من بعد.

ولهذا، لم يكن أسامة أنور عكاشة كاتب مدينة،
بل كان عاشقها الذي لم يخن.

 

في النهاية…

كتب الإسكندرية كأنها امرأة يعرفها وحده،
فيها المزاج، وفيها العناد، وفيها سحر لا يُشرح.
وفي زمن تغيّرت فيه المدن،
تبقى الإسكندرية كما كتبها:
السر، والحلّ… والحكاية التي لا تنتهي.

تم نسخ الرابط