مشيرة إسماعيل… بهجة خفيفة تمشي على أطراف الفن

ليست كل البدايات تُروى،
لكن هناك من يُولدون وفي داخلهم موسيقى لا تحتاج نوتة،
وإيقاع لا يُدرَّب عليه…
هؤلاء لا يسلكون طريق الفن، بل يصنعونه بأقدامهم الصغيرة وأحلامهم الكبيرة.
مشيرة إسماعيل كانت إحدى هؤلاء.
طفلة لم تبلغ الثانية عشرة، وكانت تخطف الأنظار وهي تؤدي رقصات الفنون الشعبية في فرقة مصر القومية،
تمتزج خفتها بخطى مدروسة، وحضورها بصوت لا يُقال بل يُحس.
كانت تحمل طاقة فرح، وكأنّها حين ترقص،
تعيد إلى الجسد روحه، وإلى التراث نضارته.
وحين شاهدها المخرج حسين كمال، لم يرَ مجرد فتاة موهوبة،
بل رأى في عينيها مشروع ممثلة قادرة على أن تقول أعمق المشاعر دون أن تنطق…
وقدّمها للسينما في “البوسطجي”، لتدخل الشاشة بملامح تحمل الدفء أكثر مما تحمل الزينة،
وتبدأ مسيرتها كمن يدخل بيتًا يعرفه، لا كغريبة تُجرب.
في أفلامها الأولى، كانت النضج سابقًا لسنّها،
وفي ملامحها ما يشي بالبُعد الإنساني العميق.
لكن كان للتلفزيون موعد خاص مع تألقها…
حين أدّت دور “جوجو” في “دموع في عيون وقحة”،
فلم تكن مشيرة تمثل فتاة سقطت في الخيانة،
بل كانت ترسم صورة كاملة للضعف الإنساني،
للتحوّل… وللثمن الذي يُدفع حين تُفتن النفس بما لا يشبهها.
وفي المسرح، لم تفقد خفّتها، ولا دهشتها،
من “العيال كبرت” إلى “الواد سيد الشغال”،
قدّمت الضحك بوقار، والبهجة بنضج،
واحتفظت على الخشبة بنفس الضوء الذي كانت تحمله في عينيها الصغيرة وهي ترقص في طفولتها.
أعمالها السينمائية امتدت عبر عقدين من الزمن،
من “المدمن” إلى “تزوير في أوراق رسمية”،
ومن “أذكريني” إلى “احنا بتوع الأتوبيس”،
وكانت دومًا تعرف كيف تُعطي الدور قلبًا لا مجرد صوت،
وكيف تترك في كل مشهد نقطة ضوء،
حتى وإن مرّت على الشاشة لثوانٍ.
مشيرة لم تكن ممن يركضون خلف النجومية،
كانت ممن يصغون للفن حين يهمس، ويبتعدون حين يصخب.
في منتصف التسعينيات، اختارت أن ترتدي الحجاب،
وابتعدت برضا… لا بوعد، لا بضجيج.
وإن عادت بعدها مرات، فكانت عودتها أشبه بإشارة رقيقة:
أن البهاء لا يزول، وأن الفن حين يُزرع بصدق… لا يُمحى.
في ملامحها بقيت لمعة الطفلة، وفي مشيتها وقار السيدة،
وفي مسيرتها نغمة متّزنة لم تختل وسط جيل تغيّرت فيه المفاهيم.
مشيرة إسماعيل…
اسم حين يُذكر، نتذكّر النعومة، والبهجة، والأداء الذي لا يحتاج أن يصرخ ليصل.
تركت مكانًا يشبهها تمامًا:
دافئ، بسيط، ومليء بالحياة.