في ذكرى ميلاد فاتن حمامة… الفن لما يبقى ضمير

هي الوحيدة التي لم تُربكها الكاميرا.
لم تجرِ خلف ضوء… كانت تمشي أمامه.
بخطوة ثابتة، وعين تقرأ النص وتراقب البشر.
ولد صوتها في السنبلاوين، لكن لغتها كانت تخص كل المدن.
من أول “آمنة” في قرى طه حسين، لآخر مشهد قالت فيه “أنا ما زلت أتعلم”.
لم تمثل… بل كانت تُصغي، تُراقب، تنتظر اللحظة التي لا تُكتب في السيناريو… فتخلقها.
عندما عُرضت عليها جائزة “أعظم ممثلة في العالم”، اصطدمت بجغرافيا القرار:
“لو كانت أوروبية لأخذت الجائزة.”
لكنها لم تُعلّق.
لم تحتج لتصفيق مبرمج، كانت تعرف قيمتها في صمت القاعات بعد أن يُقال “نهاية الفيلم”.
اختارت أن تكون “عزيزة” و”ليلى” و”فاطمة”…
لأن هؤلاء لم يكن لهن صوت، وكانت هي الحنجرة التي لا تصرخ.
في “دعاء الكروان”، لم ترفع السكين… رفعت نظرتها.
وفي “الحرام”، لم تطلب إنصافًا… تركت الكاميرا تنحني أمامها.
وفي “ضمير أبلة حكمت”، أعادت تعريف السلطة وهي ترتدي بدلة رمادية وتقفز فوق البيروقراطية باسم التربية.
رفضت أن تُمثّل في أفلام أجنبية لأنها تخاف من المسافة.
المسافة بين القلب العربي والكاميرا الغربية.
قالتها ببساطة: “أنا فاهمة فاطمة… مش عارفة أمثّل فانيشا.”
في زمن كانت السينما فيه مشروع إغواء…
جلست هي على الطرف الآخر من الصورة.
مشهدها ليس في المكياج، بل في التوقيت.
حضورها لا يُقاس بالإفيهات، بل بالمساحة التي تتركها خلف كل سطر.
فاتن لم تعلن موقفها… كانت الموقف.
تركت مصر لأنها رفضت شيئًا لم يُعلن، وعادت لأنها لا تعرف الوجع من الخارج.
سارت جنب الحائط حين ضاقت الحريات، لكنها لم تتكئ عليه.
عاشت كما تعيش الشخصيات التي تتصرف ببطء لكن تُغيّر القدر.
وعندما أحبّت، تركت رجلاً يحلف بحبها من على سجاجيد الغربة.
لم ترد. لم تحتج ترد.
اليوم، في ميلادها، لا نتذكرها.
نذهب إلى أفلامها… كي نتذكر أنفسنا.