"غزة" في مرآة الفن.. أعمال فنية وثقت معاناة الشعب الفلسطيني

في كل مرة يزف فيها شهيد على أرض فلسطين، تخيم مشاعر الحزن في القلوب، وتبقى العيون معلقة بمشاهد الألم التي لا تنتهي.
ورغم قسوة التفاصيل التي تحملها الأخبار والصور، كان للفن دائماً دوره في تجسيد هذا الواقع، ناقلاً صوت الوجع العربي ومخلداً الحكايات التي لا تنسى.
فالفن لم يكن يوماً مجرد ترف في زمن الأزمات، بل كان سلاحاً إنسانياً يواجه الغياب ويملأ الفراغ، وذاكرة توثق وتذكر وتعيد رسم الملامح من السينما إلى الأغنية.
فمن ريشة الكاريكاتير إلى عدسة الكاميرا، سيظل الفن حاضراً، منحازاً لقضايا الشعوب، وصوتاً لا يخفت مهما اشتدت العواصف.
وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز الأعمال الفنية التي تناولت القضية الفلسطينية، وجسدت عبر السينما والموسيقى ملامح النضال والمقاومة، لتبقى شاهداً على مسيرة طويلة من الكفاح والأمل.
الناصر صلاح الدين
في مشهد من المشاهد البارزة في تاريخ السينما المصرية، يقف الفنان أحمد مظهر في فيلم "الناصر صلاح الدين" ليقول جملته الشهيرة "أنت تغامر حول حلم كاذب.. أورشليم أرض عربية يا صاحب الجلالة"، وهو حوار ظل عالقاً في أذهان كثيرين لما يحمله من رمزية ودلالة.
لم يكن هذا المشهد مجرد أداءً تمثيليًا، بل مثال على دور السينما في التعبير عن قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ومنذ بداياتها، ساهمت السينما المصرية في تقديم أعمال تناولت النضال والمقاومة، وجسدت مشاهد تعكس تفاعل المواطن العربي مع الأحداث، سواء من خلال التظاهرات، أو توثيق لحظات الألم والمعاناة، أو تصوير مواقف الرفض والدعم الشعبي.
أرض السلام
في فيلم "أرض السلام"، تجسدت القضية الفلسطينية من خلال قصة تجمع بين البعد الإنساني والنضالي.
وتدور الأحداث حول أحمد، الشاب المصري الذي يؤدي دوره الفنان عمر الشريف، والذي يلتقي سلمى، التي تؤديها فاتن حمامة، في إحدى القرى الفلسطينية، حيث يشاركان معاً في مقاومة الاحتلال.
الفيلم يعرض الصعوبات التي يواجهها الفدائيون أثناء تنفيذ عملياتهم، ليعود أحمد وسلمى من كل مهمة دون أن يتم القبض عليهما، في سرد درامي يوازن بين معاناة الواقع وأمل التحرير.
صعيدي في الجامعة الأمريكية
رغم طابعه الكوميدي، لم يغفل فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" عن التطرق إلى بعض القضايا، من بينها القضية الفلسطينية.
ففي أحد المشاهد، يظهر عدد من الطلاب داخل حرم الجامعة وهم يحرقون علم إسرائيل احتجاجاً على ممارسات الاحتلال، وهو مشهد أثار الجدل وقت عرضه، خاصة مع اعتراضات رسمية عليه، لكنه ظل من أبرز اللقطات التي تم تداولها كرمز للاحتجاج الشعبي ضمن عمل فني جماهيري.
همام في أمستردام
في فيلم "همام في أمستردام"، جاءت الإشارة إلى القضية الفلسطينية بشكل رمزي من خلال أغنية "الحلم العربي"، التي شغلها أحد الشخصيات الفلسطينية لإنهاء الخلاف بين مجموعة من الشباب العرب في المهجر .
المشهد، رغم بساطته، عبر عن مدى تأثير الأغنية الوطنية في جمع المشاعر وتذكير المغتربين بجذورهم وهمومهم المشتركة، بما فيها قضية فلسطين.
العاصفة
في أولى تجارب المخرج خالد يوسف السينمائية، كان لفيلم "العاصفة" حضور لافت في التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، يتضمن العمل مشهداً يقوم فيه أبطال الفيلم، من بينهم يسرا وهشام عبد الحميد وحنان ترك، بحرق العلم الإسرائيلي في إطار درامي، تلاه مشهد آخر لندوة تضامنية مع أطفال الانتفاضة.
ورغم الجدل الذي أثاره الفيلم خارجياً، خاصة بعد عرضه في مهرجان سان فرانسيسكو، فإنه مثل محاولة فنية لتوثيق لحظة من التفاعل الشعبي مع الأحداث الجارية آنذاك.
أصحاب ولا بيزنس
تناول فيلم "أصحاب ولا بيزنس"، جانباً مختلفاً من القضية الفلسطينية، من خلال قصة إعلاميين يعملان في قناة ترفيهية، يجسدهما مصطفى قمر وهاني سلامة، يتنافسان على حملة إعلانية، حتى تقع نقطة التحول بعد استشهاد الطفل محمد الدرة.
يرسل أحدهما لتغطية الانتفاضة كنوع من العقاب الإداري، لكنه يجد نفسه وسط الأحداث، ويتعرف على أحد المقاومين، فيبدأ وعيه بالقضية في التغير.
ينتهي الفيلم برسالة توضح أن القضايا الكبرى قد تعيد تشكيل مواقف الأفراد حتى من خارج الميدان.
السفارة في العمارة
يقدم الفنان عادل إمام في فيلم "السفارة في العمارة" نموذجاً لشخصية غير مهتمة بالشأن السياسي، يعود من الخارج ليجد السفارة الإسرائيلية قد استقرت في شقة مقابلة لشقته.
ومع تطور الأحداث وارتباطه بقضية استشهاد طفل فلسطيني يعرفه، تبدأ مواقفه في التبدل، ليعكس الفيلم رحلة داخلية من الحياد إلى التفاعل، مستخدماً الكوميديا لإيصال رسائل ضمنية حول علاقة المواطن العادي بالقضايا الإقليمية.
ناجي العلي
يروي فيلم "ناجي العلي" سيرة رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير، ويجسد شخصيته الفنان الراحل نور الشريف، مستعرضاً محطات حياته منذ التهجير وصولاً إلى اغتياله في لندن عام 1987.
الفيلم يسلط الضوء على مواقفه السياسية من خلال رسوماته، ودوره في التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني، كما يظهر كيف يمكن للفن البصري أن يكون صوتاً مقاوماً يحمل رسالة عابرة للحدود.
الأقدار الدامية
تدور أحداث فيلم "الأقدار الدامية" حول اللواء حلمي باشا وابنه سعد، اللذين يشاركان في حرب فلسطين ويتناول الفيلم الصراعات الشخصية التي يعيشها الأب والابن، إلى جانب ما يخوضانه من معارك على الجبهة.
وبينما يصاب الابن ويتحول مصيره، يعيش الأب أزمة شخصية بعد عودته من المعركة، ما يخلق مزيجاً درامياً بين الحرب والواقع الإنساني، ويظهر كيف تتقاطع القضايا الوطنية مع مصائر الأفراد.
باب الشمس
في فيلم "باب الشمس" تروى قصة يونس، المقاتل الفلسطيني الذي ينتقل بين لبنان والجليل، متسللاً لمقابلة زوجته في مغارة تحمل اسم الفيلم.
يعكس العمل تجربة المقاومة الفلسطينية في الخمسينيات والستينيات، ويتناول التحولات السياسية والاجتماعية في تلك المرحلة، الفيلم يعد من الأعمال التي اقتربت من القضية الفلسطينية بأسلوب شاعري وسينمائي يحمل بعداً إنسانياً عميقاً.
الله معنا
يعود فيلم "الله معنا" إلى زمن حرب فلسطين، حيث تدور أحداثه حول ضابط يدعى عماد، يشارك في الحرب ويتعرض للإصابة، ثم يعود ليكتشف فسادًاً يتعلق بصفقات الأسلحة.
يظهر الفيلم كيف كانت هذه الحرب منطلقاً لتكوين حركة الضباط الأحرار، وينتهي بالإطاحة بالنظام الملكي، وتناول العمل هذه المرحلة التاريخية من خلال الجمع بين التجربة الفردية والتحولات الوطنية الكبرى.
الفن الغنائي
لم تكن السينما وحدها هي من عبرت عن القضية الفلسطينية، بل امتد حضورها إلى الأغنية، حيث شكلت الموسيقى صوتاً موازياً، ينبض بالمقاومة، ويترجم الألم إلى لحن وكلمة.
فمع كل حدث أو انتفاضة، كان الفنانون يتسابقون لتقديم أعمال تعبر عن التضامن، وعن أمل لا يخفت في عودة الأرض والحق من الأغاني الشعبية التي خرجت من المخيمات، إلى أعمال كبار المطربين العرب، وظل الصوت الفني حاضراً، مؤرخاً للمشاعر، ومرافقاً للناس في لحظات الفقد والحلم.
شدوا بعضكم
في احتفالات العيد، عادت أغنية "شدوا بعضكم" لتتردد بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما أصبحت رمزاً للثبات والوحدة بين الفلسطينيين.
الأغنية التي غنتها حلمية الكسواني، المعروفة بـ"أم العبد"، والمولودة عام 1938 في مخيم الزرقاء، تحمل طابعاً شعبياً وإنسانياً، ومع تصاعد الأحداث في 7 أكتوبر، تصدرت الأغنية المشهد مجدداً، لتصبح واحدة من أكثر الأعمال تداولاً، وكأنها تستعاد مع كل فصل جديد من فصول الألم الفلسطيني.
أنا دمي فلسطيني
رغم مرور سنوات على إصدارها، عادت أغنية "أنا دمي فلسطيني" لتتصدر المشهد مجدداً بعد عملية "طوفان الأقصى"، وتحولت إلى صوت مرافق لمقاطع الفيديو والمنشورات على منصات التواصل.
الأغنية التي تعود إلى بدايات الألفية، أصبحت بمثابة نشيد حديث، يحمل رسالة هوية وانتماء، وتجد صداها في قلوب الشباب العربي في كل مكان.
الهوية عربي
الفنان هاني شاكر كان من بين الأصوات التي اختارت أن تدعم القضية الفلسطينية بفنها، وقدم أغنية بعنوان "الهوية عربي"، أهداها إلى شهداء فلسطين.
الأغنية تميّزت بلحن حزين وكلمات تؤكد على الجذور والحق التاريخي، لتكون جزءً من سلسلة أعمال شارك بها شاكر دعماً للشعوب العربية في قضاياها المصيرية.
من فوق سابع سما
بأكثر من 12 أغنية عن فلسطين في رصيده، استمر الفنان علي الحجار في التعبير عن التضامن من خلال صوته وقدم أغنيته "من فوق سابع سما" بالتعاون مع الشاعر محمد ياسر، لتكون إضافة جديدة لمشروعه الغنائي الذي طالما ارتبط بالقضايا الإنسانية ، بصوت يحمل الكثير من الألم والشجن.
غصن الزيتون
في أغنية "غصن الزيتون"، اختار الفنان أحمد سعد أن يركز على الحاجة للسلام، معبراً عن معاناة الشعب الفلسطيني.
الأغنية تعاون فيها مع الشاعر حسام طنطاوي والملحن محمدي، والموزع محمد عاطف الحلو، وجاءت لتضيف بعداً وجدانياً إلى المشهد الفني المتضامن مع القضية.
قولوا لولادكوا
الشاعر والملحن عزيز الشافعي شارك بصوته هذه المرة، من خلال أغنية "قولوا لولادكوا"، التي كتبها ولحنها بنفسه، إلى جانب أغنية أخرى طرحها أيضاً في إطار الدعم الأعمال التي قدمها كانت محاولة فنية للتعبير عن رفض العدوان، واستنهاض الوعي العام بالقضية، بلغة بسيطة، ورسائل مباشرة تصل إلى الجميع.
هكذا ظل الفن شاهداً على القضية الفلسطينية، من خلال السينما والأغاني، معبراًعن الألم والأمل، وكانت السينما والأغنية دائماً مرآة للمشاعر العربية، محاولات فنية للحفاظ على الذاكرة والهوية، وتوثيق نضال الشعوب في مواجهة التحديات.