أسامة قابيل: الغاية من زكاة الفطر إدخال السرور على المسلمين ورمضان فرصة ذهبية (حوار)

الدكتور أسامة قابيل عالم أزهري وداعية إسلامي، اشتهر بظهوره في العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، ويقدم محتوى دينيًا واجتماعيًا يهدف إلى نشر الوعي الإسلامي والقيم الأخلاقية، دائما يهتم بقضايا الشباب والمرأة والأسرة ويحرص على تقديم رؤية إسلامية معتدلة ووسطية، ويدعو إلى التسامح والتعايش السلمي.
اشتهر بتقديم محتوى ديني مبسط يسهل فهمه على عامة الناس، كما أنه يحرص على التفاعل مع الجمهور والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم، الدكتور أسامة قابيل يجيب عن تساؤلات هامة في رمضان خلال حوار خاص لـ"وشوشة".
نص الحوار:
في البداية.. كيف يرتب الصائم أولوياته في شهر رمضان؟
رمضان فرصة عظيمة لإعادة ترتيب الأولويات وتحقيق التوازن بين العبادة والمسؤوليات اليومية، من الضروري أن يحدد الصائم هدفه الأساسي من الشهر، وهو التقرب إلى الله، ثم ينظم وقته بحيث يؤدي عباداته دون الإخلال بالتزاماته الأخرى، تنظيم الوقت بشكل جيد يساعد على الجمع بين العبادات والطاعات وأداء العمل بكفاءة، فمن الأفضل الاستيقاظ مبكرًا لاستغلال وقت الفجر في الصلاة والذكر وقراءة القرآن.
وتقسيم اليوم إلى فترات محددة للعبادة، والعمل، والراحة، والتواصل مع الأهل يضمن تحقيق الاستفادة القصوى يجب أن يكون للصائم أولوية في تجنب إضاعة الوقت في الأمور غير النافعة، مثل كثرة متابعة البرامج الترفيهية أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون فائدة، واستغلال كل لحظة في الطاعة والعمل الصالح يجعل الشهر أكثر بركة وتأثيرًا على النفس.
والاهتمام بالجوانب الروحية كالإكثار من الذكر، والدعاء، والاعتكاف إن أمكن، يساعد في تعزيز الارتباط بالله، كما أن تنظيم الأولويات يتطلب تخصيص أوقات محددة للراحة الجسدية حتى يتمكن الصائم من مواصلة عباداته وأعماله دون إرهاق التركيز على النوايا الصالحة يجعل كل عمل في رمضان عبادة، سواء كان ذلك في العمل، أو العناية بالأسرة، أو تقديم المساعدة للآخرين، عندما يكون الهدف رضا الله، تصبح كل الأعمال اليومية وسائل للتقرب إليه.
يتفرغ البعض خلال شهر رمضان للتعبد والطاعة على حساب إهمال العمل.. كيف يوازن الصائم بينهما؟
الإسلام دين التوازن، فلا يصح أن تطغى العبادة على مسؤوليات الإنسان الدنيوية، كما لا يجوز أن يُشغل الإنسان بالعمل عن الطاعة، يجب أن يدرك الصائم أن العمل عبادة إذا كانت النية خالصة لله، وكان الإنسان يؤديه بإخلاص وأمانة.
تنظيم الوقت بين العمل والعبادة هو المفتاح، بحيث يتم استغلال الأوقات المبكرة للعمل الجاد، ثم تخصيص فترات للراحة والعبادة دون إهمال أي جانب، وتقسيم اليوم بذكاء يضمن تحقيق الفائدة القصوى من رمضان دون التقصير في المسؤوليات.
واستغلال اللحظات البسيطة أثناء العمل للذكر والاستغفار والدعاء يعزز الروحانية، فالصائم يستطيع التسبيح بين المهام أو الاستماع إلى القرآن والمحاضرات المفيدة أثناء فترات الاستراحة، مع إدراك أن التفرغ الكامل للعبادة قد لا يكون ممكنًا للجميع، لذا فإن الحرص على أداء الفرائض، والتصدق، وصلة الرحم، والإحسان إلى الآخرين يعوض عن قلة الوقت المتاح للعبادات الأخرى في حال كان العمل مرهقًا، يمكن للصائم الاستفادة من الأوقات المسائية والليلية للعبادة المكثفة، مثل قيام الليل، والدعاء، وقراءة القرآن بعد الإفطار، مما يحقق التوازن المطلوب بين العمل والطاعة.
ما نصيحتك للصائمين لتعظيم الاستفادة من الشهر الفضيل وبذل خصال الخير فيه؟
رمضان فرصة ذهبية لمضاعفة الأجر والتقرب إلى الله، لذا يجب على الصائم، إن لم يكن استغل الأيام الماضية، عليه أن يضع خطة عاجلة واضحة للاستفادة القصوى من العشر الأواخر، بدءًا من الإخلاص في النية واستشعار عظمة الشهر والحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، مع المحافظة على النوافل، خاصة قيام الليل، يعزز الروحانية، كما أن قراءة القرآن بتدبر وختمه مرة أو أكثر خلال الشهر يزيد من البركة الإنفاق في سبيل الله من أعظم أعمال الخير، سواء عبر الصدقات أو إطعام المحتاجين، فسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس في رمضان، وكان كالريح المرسلة في الخير.
وتجنب إضاعة الوقت في الأمور غير المفيدة مثل الإفراط في متابعة التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي، واستبدالها بأعمال نافعة كحضور الدروس الدينية أو التطوع في الأعمال الخيرية تحسين الأخلاق والتحلي بالصبر والتسامح من أهم أهداف رمضان، فالصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام، بل يشمل ضبط النفس عن الغضب والكلام السيئ.
والحرص على الدعاء والاستغفار، خاصة في أوقات الاستجابة مثل قبل الفجر وعند الإفطار، وأن نجعل رمضان شهرًا للتغيير الحقيقي، ويعزز التقرب إلى الله.
في كل عام يثار الجدل حول جواز إخراج زكاة الفطر مالًا وليس حبوبًا.. ما الصحيح في ذلك؟
زكاة الفطر فريضة على كل مسلم قادر، وقد فرضها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، صاعًا من تمر أو شعير، لكن الفقهاء اختلفوا حول جواز إخراجها نقدًا بدلًا من الحبوب الرأي الأول يرى أن الأصل هو الالتزام بالنص النبوي، لذا لا يجوز إخراجها نقدًا، لأن الحكمة منها هي إطعام الفقراء وإدخال السرور عليهم يوم العيد الرأي الثاني، وهو قول كثير من الفقهاء المعاصرين، يرى جواز إخراجها مالًا إذا كان ذلك أنفع للفقراء، لأن بعضهم قد يحتاج إلى المال أكثر من الطعام الإمام أبو حنيفة أجاز إخراجها نقدًا مراعاة لحاجة الفقير، بينما الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الأصل هو إخراجها طعامًا كما ورد في السنة الحكمة من زكاة الفطر هي سد حاجة الفقراء وإغناؤهم يوم العيد، سواء كان ذلك بالطعام أو المال، لذا يُفضل إخراجها بما يحقق هذه الحكمة وفق ظروف كل مجتمع.
هل يجوز للمرأة قراءة القرآن في رمضان أثناء عذرها الشرعي؟
اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن للحائض، فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يمنعون ذلك، بينما يرى الحنفية وجمع من العلماء المعاصرين أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن دون مس المصحف من الأدلة التي استدل بها المانعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن"، لكن الحديث ضعيف، مما يجعل المسألة محل اجتهاد يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من الهاتف أو من المصحف بدون لمس مباشر، وهو قول كثير من العلماء المعاصرين، خاصة إذا كانت تحفظ القرآن أو تخشى نسيانه إذا احتاجت المرأة إلى قراءة القرآن لمراجعة حفظها أو للتعبد، فيمكنها تلاوته بدون مس المصحف، والاستماع إليه من وسائل أخرى كالهاتف والتسجيلات الصوتية الأولى أن تتحرى المرأة رأي العلماء الموثوقين في بلدها، وتأخذ بالأيسر لها، لأن الهدف من رمضان هو التقرب إلى الله وليس التضييق على العباد.
ما حكم إزالة الشعر بالليزر؟
إزالة الشعر بالليزر من الأمور المباحة في الإسلام ما دامت لا تضر بالجسد، ولا تتسبب في كشف العورة أمام غير الضرورة الطبية إذا كانت إزالة الشعر تؤدي إلى ضرر صحي أو كانت تكشف العورة لغير حاجة ضرورية، فيجب تجنبها، لأن الإسلام يحث على صيانة الجسد وعدم تعريضه للأذى يجوز للمرأة أن تستخدم الليزر لإزالة الشعر بنفسها أو عند طبيبة متخصصة، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر، وألا يتضمن كشفًا لما لا يجوز كشفه شرعًا إزالة الشعر بالليزر لأغراض التجميل أو النظافة الشخصية لا حرج فيه، وهو يدخل ضمن تحسين المظهر والعناية بالجسد، ما دام يتم وفق الضوابط الشرعية إن كان الليزر يستخدم لإزالة الشعر من أماكن يحرم كشفها أمام غير الزوج، فيجب أن يكون عند طبيبة متخصصة، وعند الحاجة فقط، مع الالتزام بالضوابط الشرعية النية في هذا الفعل تلعب دورًا مهمًا، فإذا كان الهدف هو النظافة أو الراحة الشخصية فلا حرج فيه، أما إن كان تقليدًا أعمى أو تغييرًا لخلق الله فيجب التوقف عنه.
هل تبرع الإنسان بالدم وهو صائم يفطره؟
تبرع الصائم بالدم من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، ويرجع ذلك إلى مدى تأثير التبرع على الجسم، وهل يمكن اعتباره شبيهًا بالحجامة أم لا الرأي الأول، وهو قول جمهور العلماء، يرى أن التبرع بالدم لا يفطر الصائم، لأنه لا يدخل في مفسدات الصيام المعروفة، لكنه قد يؤدي إلى الضعف، مما قد يضطر الصائم إلى الإفطار الرأي الثاني، وهو قول بعض الفقهاء يعتبر أن التبرع بالدم يُفطر لأنه يشبه الحجامة، التي ثبت في بعض الروايات أنها تفطر الصائم، ولكن هذا القياس محل خلاف الأرجح أن التبرع بالدم لا يُفطر، ولكنه مكروه إذا كان يؤدي إلى الضعف الشديد.
ومن الأفضل تأجيله لما بعد الإفطار إن لم تكن هناك ضرورة طبية ملحة إذا اضطر الصائم للتبرع بالدم لإنقاذ حياة شخص ما، فلا حرج في ذلك، وإذا شعر بضعف شديد جاز له الإفطار، لأن حفظ النفس مقدم على الصيام.
هل يجوز استخدام فرشاة الأسنان بالمعجون أثناء الصيام؟
استخدام فرشاة الأسنان مع المعجون أثناء الصيام جائز، بشرط ألا يبتلع الصائم شيئًا من المعجون أو الماء، إذا كان استخدام المعجون يؤدي إلى دخول شيء منه إلى الحلق، فمن الأفضل تجنبه أثناء النهار، والاكتفاء بالسواك أو استخدام الفرشاة دون معجون.
السواك من السنن المؤكدة للصائم، وقد ثبت أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم استخدمه وهو صائم، مما يدل على جواز تنظيف الأسنان أثناء الصيام دون حرج من الأفضل استخدام المعجون قبل الفجر أو بعد الإفطار لتجنب الشك في دخول شيء منه إلى الجوف، لكن إذا احتاج الصائم لاستخدامه أثناء النهار، فيجب أن يكون بحذر إذا كان الصائم حريصًا على عدم ابتلاع شيء من المعجون أو الماء، فلا حرج عليه، وصيامه صحيح بإذن الله.
هل بلع الريق للصائم يفطره؟
بلع الريق أثناء الصيام لا يفطر بإجماع العلماء، لأنه أمر طبيعي لا يمكن للإنسان منعه، وهو من الأمور المعفو عنها إذا تجمع الريق في الفم وابتلعه الصائم، فلا شيء عليه، لأن ذلك لا يعد طعامًا ولا شرابًا، ولا يؤثر على صحة الصيام أما إذا تعمد الصائم ابتلاع شيء منفصل عن الريق، مثل بقايا الطعام أو البلغم، فقد يكون ذلك مفطرًا، خاصة إذا كان يستطيع التخلص منه ولم يفعل.
ينبغي للصائم أن يتجنب الوسوسة في هذه الأمور، لأن الشريعة جاءت باليسر، وما لا يمكن تجنبه لا يؤثر على الصيام، إذا أحس الصائم بجفاف في الفم، فلا حرج عليه في بلع ريقه، لأن ذلك لا يخرج عن نطاق الأمور الطبيعية التي لا يمكن التحكم فيها.
أخيرًا.. ما قيمة زكاة الفطر هذا العام؟
أقرت دار الإفتاء المصرية أن الحد الأدنى لزكاة الفطر هذا العام هو 35 جنيهًا، وهي واجبة على كل مسلم، سواء كان صائمًا أو أفطر بعذر، امتثالًا لما جاء في الحديث الشريف: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين" رواه البخاري ومسلم.
وفي كل عام يثار الجدل حول كيفية إخراجها، هل تكون طعامًا أم مالًا؟ والحقيقة أن الغاية الأسمى من زكاة الفطر هي إدخال السرور على المسلمين في العيد، كما قال النبي ﷺ: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"، رواه البيهقي، وفي عصرنا الحالي، المال هو الوسيلة الأكثر نفعًا للفقراء، إذ يتيح لهم تلبية احتياجاتهم الأساسية في العيد بدلًا من تلقي الحبوب والطعام الذي قد لا يكون مناسبًا لاحتياجاتهم، لذلك، من استطاع أن يخرج أكثر من الحد الأدنى فليفعل، فبدلًا من 35 جنيهًا، إن كنت قادرًا على إخراج 1000 أو 10,000 الآف فلا تتردد، فإن "ما نقص مال من صدقة" رواه مسلم.
والأهم أن نؤدي هذه الفريضة بنية إسعاد المحتاجين، لأن العيد فرحة، وزكاة الفطر وُضعت لتكتمل فرحة الجميع، فاجعلها سببًا في إدخال السرور على قلوب الفقراء والمحتاجين.







