عمر أفندى نوستالجيا الأربعينيات في عصر الألفينيات

مسلسل عمر أفندى
مسلسل عمر أفندى

على مدار خمس عشرة حلقة انتقلنا بين زمنين مختلفين، زمن نعيش فيه حاليا، السرعة وغزو التكنولوجيا عنوانه، وزمن الأربعينيات والذي يعد من الأزمنة الجميلة التي قد نرغب في أن نعيش بها للهروب من هذا العصر وما نعاني فيه من الاغتراب وضيق الوقت والابتعاد عن بعضنا البعض.

مسلسل عمر أفندي دراما كوميدية خيالية أمتعت المشاهدين وخلقت رابطا قويا بين أبطاله والجمهور، وأصبح محل نقاش صفحات التواصل الاجتماعي ومحط نقاش الكثير من الجلسات داخل الأسرة وبين الأصدقاء وحتى زملاء العمل، فهو يتناول موضوع محبب وجذاب للجمهور بشكل عام وهو السفر عبر الزمن ،  فشاهدنا مسلسل "الصفارة" ، ومسلسل "جات سليمة"، وفيلم "سمير وشهير وبهير" ، وغيرها من أعمال عبرت بالجمهور في رحلة زمنية حملت معها الكثير من التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأيدولوجية، ولكن استطاع صناع "عمر أفندي" خلق خطوط درامية جديدة ننتقل من خلالها عبر زمنين مختلفين بشغف كبير وبمتعة بصرية رائعة، وكأنها مرآة لعصر جميل هادئيملؤه الحب والدفء بين أفراده على الرغم من وجود الاحتلال الإنجليزي آنذاك ولكن كان هناك قرب في المسافات على الرغم من عدم وجود التكنولوجيا التي سهلت  التواصل بين الأفراد وألغت المسافات حاليا، كان رتم الحياة متوازن وبه هدوء في طباع شخصياته، السرعة لا مكان لها في هذه الحياة، فأصبحنا نتجول بأعيننا في الشوارع الهادئة البعيدة عن صخب تزاحم السيارات والتلوث، والمباني ذات المعمار المتميز والمريح للبصر ، انتقلنا إلى عصر الطرابيش والفساتين الجميلة الأنيقة للسيدات وسماع الطرب والموسيقى الهادئة، والديكور ذي النكهة الأربيعينية، وعشنا بعض الشيء في زمن أفلام الأبيض والأسود بالإضافة إلى تسليط الضوء على اختلاف القاموس اللغويلنا ما بين الماضي والحاضر فنجد بعض الكلمات الشائعة في الأربعينيات مثل صدقيني بفتح الصاد، وممنون، ونهارك سعيد، وسعيدة، وبعض المصطلحات مثل حاجة 13 خالص والتي بحث عنها الجمهور ليعلم دلالتها ومعناها، أو "نزفك زفة الإنجليزي في العشة" وفي المقابل الكلمات والمصطلحات المستخدمة في العصر الحالي وكيف تدهورت اللغة ومعناها بين الزمنيين.

أما عن فريق العمل فقد استطاع "أحمد حاتم" أن يخرج عن النمطية وتجسيد دورا جديدا يعد إضافة لمشواره الفني، وظهرت من خلاله موهبته، وستعد نقلة هامة في مهنيته، فقدم شخصية رومانسية خفيفة الظل طيب الخلق، واستطاع أن يقدم التنوع في شخصيته ما بين "علي" في الحاضر و"عمر" في الماضي بلغتها وملابسها ومظهرها، وكيف يُطوع التكنولوجيا والتقدم الذي يعيش في واقعه لخدمته في تحقيق أهدافه في زمن مضى، وأيضا "أيه سماحة" في دور زينات فقد كانت متميزة بملامحها البشوشة وتلقائيتها وتمكنها من الشخصية ، كما كان العمل نقطة انطلاقة لمصطفى أبو سريع في دور دياسطي والذي أثبت فيه أنه يمتلك حسا فكاهيا مختلفا أضاف نكهة مرحة للعمل ككل، والفنان "محسن صبري" الذي استطاع بحنكة أن يخلق رابطا وجدانيا بينه وبين المشاهدين طوال العمل،فقد كان الحاضر الغائب بالرغم من قلة مشاهده ، إلا أن  دوره كان محوريا ومؤثرا، بالإضافة إلى الكتابة والإخراج المتميز الذي استطاع التعامل بحرفية مع الزمن وتفاصيله.

أما نهاية العمل فاختلف المشاهدون عليها ما بين مؤيد لضرورة العودة لزمن "علي" الفعلي ولحياته وتقبلها بإيجابيها وسلبياتها وما بين العيش في زمن الأربعينات الذي شعر فيه بالراحة النفسية والهدوء والهروب من ضغوط الحياة، وبنسيم والده تهامي سر لغز السرداب، ومع من كون صداقات معهم ومع زينات التي أحبها بصدق وشعر معها بمشاعر لم يصادفها في واقعه مع زوجته، وكذلك حير المشهد الختامي للعمل الجماهير، والذي عاد فيه  "علي" لعام 1943 ، واكتشاف أن هناك خطأ في تغير الزمن بالسرداب لينقله لعام 1942 في زمن لا يتعرف عليه أحد ويكون فيه غريبا من جديد، وكأنها مفتاح للغز جديد بقصة جديدة في زمن جديد.

ونهاية القول عمر أفندي تجربة فنية جميلة ، يشوبها بعض الألم من فقدان عصر جميلوما به من مشاعر وأحاسيس ، نقلنا عبر سرداب قد يكون في خيال كل منا،وقد نتمنى وجوده في واقعنا كوسيلة للهروب من ضغوط الحياة الحالية وسرعة الإيقاع، ونسج حالة إبداعية بطلها المعالجة للتنقل عبر الزمن، وسؤالي لك عزيزي القاريء ماذا ستفعل إذا وجدت سردابا ينقلك عبر الزمان، وفي أي حقبة تريد أن تعيش؟.

تم نسخ الرابط