حوار/ عمرو خالد: استرد إنسانيتك في شهر رمضان.. "الفهم عن الله" يواصل العمل على تزكية الجانب الروحي

رمضان شهر التكافل والتراحم بين المسلمين، وهو أجمل ما يميز شهر الصوم من أجواء، حيث تسود روح المحبة والتآلف بين الناس، تجد الغني يعطف على الفقير بالمال والطعام، والكل يسارع إلى بذل الصدقات وإخراج الزكوات في هذا الشهر الكريم، وتجد الجيران يتبادلون ألوان الطعام المختلفة، وهذه العادات لازالت والحمد لله قائمة لم تندثر مع الزمن، ولا أبالغ إذا ما قلت إننا في هذه الآونة أشد احتياجًا من أي وقت مضى إلى من يتبنى ثقافة العمل الخيري ونشره بين الناس، من أجل الوصول إلى المتعففين ممن لا يسألون الناس إلحافًا، وهو خلق إسلامي بامتياز حثنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، بالقول: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به"

عليك أن تعمل على استرداد إنسانيتك خلال شهر رمضان بعودة إحساسك بالله، حتى تخرج أحسن ما عندك من غير ضغط، وأن تخرج أحسن نسخة من نفسك من خلال الإحسان.

عش بهذه الفكرة الرائعة طوال شهر رمضان المستمدة من حقيقة مهمة توصل إليها علماء علم النفس الإيجابي. وهي أن العقل البشري لا يعمل إلا بالجوائز ( Reward ).

عقلك الباطن موظف كسلان، طبيعة عمله أن يحافظ على الطاقة، لهذا فهو يركز على الروتين، لو أردت أن تجبره على فكرة جديدة مثل الإحسان، سيرفض لأنه يريد أن يحافظ على الطاقة، ولابد أن تعطيه دفعة أن يتحمس ويساعدك.

المخ يفرز هرمون الدوبامين، لابد أن أفعل هذا العمل لأحصل على الجوائز، بدون الجوائز لان أكمل.. الجوائز هي التي ستساعدك على أن تسقط التوقعات من البشر. هي التي ستدفعك للإحسان، افهم عن الله، كيف خلق عقلك وكيف وعدك بجوائز الإحسان؟

والله تعالى جعل جوائز الإحسان: مادية وروحية، حتى تحفز نفسك من الداخل كلما أتت على أسماعك كلمة الإحسان، عقلك هو الذي سيدفعك للأحسن، لأنه يرى الجوائز، وإذا ما جربت تطبيق تلك الفكرة في رمضان، فلا شك إنك ستخرج منه أفضل بكثير مما كنت

البرنامج هذا العام يواصل العمل على تزكية الجانب الروحي لدى الإنسان، وتعميق القيم الأصيلة التي تعزز من إيمان الفرد، وتحفزه على العيش بإيجابية.

ويعد ذلك استكمالاً للجزء الأول من برنامج "الفهم عن الله" الذي تدور فكرته حول 30 قاعدة يتم عرضها على مدار أيام شهر رمضان، مرتبطة بمنازل الروح السبعة والإحسان، من خلال قراءة عميقة للقرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، سعيًا لتحويلها إلى برنامج تطبيقي وعملي صالح للعيش به.

ومنهج الإحسان هو ثمرة سنوات من التعب، بدعم من شباب مؤمن بالفكرة، فأنا مغمور بهذه الآية "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، وأنا من إحسان جدي الذي كان يقيم الليل، بدأت أتحدث فى المساجد، لكن بسبب الانتخابات وقتها فضلت السفر إلى خارج مصر، وتحديدًا المدينة المنورة، وظللت أتردد على مكتبة عمر بن الخطاب في المسجد النبوي، وأقرأ كل الكتب اللي كتبت عن الصحابة، وبدأت أكتب ملخصًا عن سيرة كل منهم وجعلت عنوانًا لها "ونلقى الأحبة"، ولم أكن في ذلك قد ظهرت بعد فى التليفزيون.

وبعد عودتي إلى القاهرة نقلت إلى مسجد آخر وكان يمتلىء بالحضور، ويسبب زحامًا مروريًا في المنطقة التي كان يمر منها الشيخ صالح كامل، مالك قنوات "إيه آر تي"، والذي كان قد فتح للتو قناة "اقرأ" في طريقه إلى بيته، والذي استغرب من شدة الزحام، وعندما علم السبب طلب مقابلتي على الفور، وعندما سألني عما أقول؟ أجبت: "ونلقى الأحبة"، وأظل أقدم برنامجًا لمدة ثلاث سنوات يعرفني العالم العربي كله من خلاله، دون أن أغادر مكاني، وهذا من توفيق الله الذي يدفعك لأعلى درجات التوفيق، دفعًا إلى مساحة جديدة.

قصة حياتي بدأت من مشروع الإحسان، خسائر كتير قبل المشروع، ترصد للأخطاء، عانيت من ضائقة مالية شديدة، فصلت البزنس عن الدين، وظللت لمدة 5 سنوات أقدم برامج عن الإحسان، بدعم من شباب مؤمن بالفكرة.

-من دعائه صلى الله عليه وسلم عند الإفطار: "ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"، رواه أبو داود. وكان يقول أيضًا: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت".

أما بالنسبة للسحور، فلم يثبت أنه صلَّى الله عليه وسلَّم، خصص دعاءً له، ولا يوجد دعاء خاص يقال له دعاء السحور، لكن وجب على المسلم في بداية الطعام أن يسمى الله، ويحمد الله -تعالى- عند الانتهاء منه.

البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق"، لكن من الأفضل أن يبدأ الطفل تعلم الصيام في سن مبكرة للاعتياد على الصوم في الكبر.

القدرة: فيجب أن يكون الشخص لديه القدرة على الاستطاعة على الصوم، لقول الله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ"، أما إذا كان عاجزًا لكبر أو مرض فلا يجب عليه الصوم.  

الإقامة: يشترط أن يكون الشخص مقيمًا، فلا يجب الصوم على المسافر بل له أن يفطر ويقضي، لقول الله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"، وإذا كان السفر غير مرهق فلا مانع من الصيام.  

الاعتكاف سنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، تقول السيدة عائشة عن النبى فى العشر الأواخر من رمضان: "كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر، وطوى فراشه واعتكف".

والاعتكاف فى العشرة الأواخر للتركيز عكس وجودك فى البيت وقتها، لكن هناك من لاتسمح له ظروفه بالاعتكاف، لكن المهم أن يكون تركيزك منصبًا على طاعة الله، تب إلى الله.. راجع حساباتك.. صالح من تخاصمه، وخاصة الأقارب، حتى لا تدخل ليلة القدر وأنت قاطعًا للأرحام.. فذاك هو مفتاح القبول بإذن الله".

عليك بأمرين: ازرع في قلبك اليقين باسمه الفتاح، والإحسان لأنه باب الفتح. وإياك أن تفقد الأمل، أو تستسلم للإحباط، وتقع في فخ الاكتئاب، هذه الثلاثة التي تشكل مرض العصر، ومشكلة الناس في القرن الحادي والعشرين، فيما يعمل الإيمان على غرس اليقين بداخلك وحمايتك من هذه الثلاثة.

الحياة هي انعكاس لأسماء الله الحسنى، لو لم يخطئ الناس ويطلبون التوبة، ويتوب الله عليهم لتعطل اسم الله التواب، وهذا مستحيل لأن الكون يحيا ويتحرك بأسمائه الحسنى، كذلك لابد أن تُغلق حياة الناس فيطلبون الفتح فيفتح لهم، ليسري اسم الله الفتاح.

يأتي على رأس هذه الأسباب حالة الإحباط واليأس التي تسيطر على بعض الشباب، وافتقاد الدوافع التي تشجعه على البقاء في الحياة، ومقاومة الانكسارات التي يتعرض لها لذا من المهم على الشاب الذي يعاني من ذلك أن "يفضفض" لغيره، لأن المكتئب يظل يكتم ما يعاني منه وينعزل حتى يعيش بداخل فقاعة كلها خطأ فيصل لقرار الانتحار، "فضفض مع العقلاء، أبيك، صديق عاقل، مستشار، احكي وفضفض وقول وطلع اللي جواك ومتتكسفش من ضعفك"

الأمر الثاني، هو أنه يجب أن يعود ويشعر بالقرب من الله فبدونه سوف يضيع، "بمجرد ما تصلي وتحس أنك قريب من ربنا بجد مش مجرد واجب بتأديه هيتولد جوه قلبك معاني رهيبة"، مثل التوكل واليقين، وهذه الأمور أنجت ناسًا من الانتحار أعرفهم بشكل شخصي.

الأمر الثالث والأخير، هو العمل والسعي، ولا تنشغل بعد ذلك بالنتائج، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ولا يوجد ضامن إلا بأن يخرج الإنسان أفضل ما عنده، فالله سبحانه وتعالى وعد: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا"، فعليك السعي وليس عليك إدراك النتائج.

لو كنت تعاني من "ظلمة" في حياتك، وأصبحت "ملخبطة"، وتعيش حالة من التوهان، واتخاذ القرارات الخطأ، وحياتك تسير في اتجاه معاكس على غير ما ترغب، ولا تدرك كيف تحقق أهدافك، أو تملك رؤية أو مستقبلاً، عليك أن تراجع علاقتك مع الله وأن تتقيه حق التقوى، أو تزود من التقوى أكثر دون تشدد أو مبالغة، بالاستغفار، والإحسان، ستضيء حياتك وتصبح نورًا على نور القرآن يصف الإنسان الذي يعيش في "ظلمة"، قائلاً: "أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها"، لا خروج من "الظلمة" إلا بالله "ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور "النور يرتب حياتك، رؤية وبصيرة، أهدافًا، علاقاتك، وقتك مشروعاتك، "يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم" عليم بتقواك وإحسانك وعندها سيهديك لنوره.

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاءكم من ترضون دينه دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وهذا يؤكد على أن تكون الأولوية لذي الدين وأنا أنصح شبابنا وبناتنا بالبحث عن صاحب أو صاحبة الدين، وهذا ما أثبتته تجارب الحياة من أن السعادة لا تتحقق إلاّ أن يكون شريك الحياة صاحب دين.

كان هناك من سأل أحد العلماء لمن يزوج ابنته، فأشار عليه أن يزوجها لصاحب الدين، فلو أحبها أكرمها، وإن كرهها فلن يظلمها ونصيحتي لكل فتاة إياك أن تتزوجي ممن لا يصلي، أو من يرتكب الكبائر، أو من يشرب الخمر.. وهناك من العائلات من يرضون أن يزوجوا ابنتهم بغير المتدين على أمل أن يتغير في المستقبل وهذا خطأ كبير.

لا يوجد إنسان تمر حياته من دون أن يتعرض لأذية البشر، ويواجه الضربات الموجعة والطعنات الغادرة في الظهر، وأشدها عندما تكون من أقرب الناس إليك، كأن تتعرض لخيانة شريك، أو غدر صديق، أو ممن ائتمنته على أسرارك صحيح أنك لن تستطيع أن توقف قهر الناس أو تمنع كلام الناس ولا غدرهم، لكن تستطيع أن تحمي نفسك 100 في المائة، فلايؤثر فيك كيدهم أو ظلمهم، بل يتحول لنصر لك، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟.. الإجابة هي: تقوى الله وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا"، هذه الآية في سورة "آل عمران" قانون رباني للحياة، فأقوى طريقة لحماية نفسك من أذية الناس هي "التقوى"، لأن الكون كله بيد الله ، وهو القادر أن يحول أذيتك من ضرر إلى منفعة ولو اخطأت: استغفر وتب، "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"، إياك أن تفقد تقواك، فالإنسان بدون تقوى، سهل إيذاؤه وانهياره نفسيًا، لكن عندما تتقي الله يتولى أمرك.