حين سُرقت عناقيد العنب من قلب الطريق..

وشوشة

كان الصباح لا يزال طريًا…

والقرية تغفو نصف غفوة قبل أن تصحو تمامًا على وقع خطواتهن. ثماني عشرة فتاة خرجن مع النور، في ملابس بسيطة، وقلوب مليئة بالنية الطيبة. كانت الوجهة حقول العنب، وكان العمل حصادًا في موسمه القصير، لكنّ الطريق كان أقصر من الحلم.

 

صبايا العنب، كما لو أن الاسم لم يكن مجرد توصيف،

بل نبوءة حزينة. كأنهن عناقيد بشرية، تتشابك أرواحهن كما تتشابك حبات العنب، وتنمو معًا على غصن واحد من البراءة والتعب.

 

في طريقهن إلى الحقل،

حيث كان يُنتظر منهن أن يقطفن العنب،

قُطِفَت أعمارهن…

قبل أن تلامس أيديهن أول عنقود.

 

شاحنة ضخمة، بلا وعي، بلا قلب، تسير عكس الاتجاه…

تحمل موتًا مباغتًا، لا يعرف أسماء، ولا يفرّق بين فتاةٍ ذاهبة للحصاد، وبين ثمرةٍ لم تنضج بعد.

لم تصل البنات إلى الأرض التي كنّ سيعملن فيها،

ولم تبدأ السكاكين في تقليم الأوراق…

فقد كانت السكين الأولى هي الطريق.


عادت سيارات الإسعاف، لكن ليس إلى الحقل، بل إلى القرية. ثماني عشرة سيارة، كُتب على كلٍ منها اسم…

لعلّ الأم لا تخطئ النعش، ولعل الأب يتمكّن من وداعٍ يعرف وجهه.

 

يقولون إن هناك نوعًا من العنب يُسمّى “بناتي”،

لأنه صغير الحجم، حلو الطعم، ناعم الجلد،

يشبه ما قد تفضله البنات الصغيرات من الفاكهة اللطيفة سهلة الأكل، لا بذور، لا قسوة، فقط رقة تذوب في الفم وتُنسى سريعًا.


ولعلّ الاسم لم يكن مصادفة.

 

فقد كانت البنات أنفسهن كـ”عنب البناتي”… خفيفات، طيبات، لا يحملن بذور قسوة، حلوات كالأمل،

وسريعات الذهاب… كأن الحياة ابتلعتهن مرة واحدة… دون مضغ، دون وداع.

هل كان يُنتظر منهن أن يحصدن؟

أم أنهن كنّ الحصاد ذاته؟

هل كنّ ذاهبات لجني عناقيد العنب،

أم لجني عناقيد الحلم الأخيرة؟

 

ما حدث لا يمكن أن يُختصر في عبارة “حادث سير”،

ولا يمكن أن يُدفن مع ثماني عشرة نعشًا في يومٍ واحد.

ما حدث هو انطفاء فجائي لأرواح خرجت لتعمل…

فأصبحت عنوانًا لوطنٍ يخذل بناته على قارعة الطريق.

 

في كفر السنابسة،

لم تُحصد العناقيد.

بل حُصِدت القلوب.

تم نسخ الرابط