انهيار منزل نور الشريف في السيدة زينب.. سقوط جدران وذكريات لا تنهار

تصدر اسم الفنان الراحل نور الشريف محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد انهيار منزله القديم في حي السيدة زينب، وهو المنزل الذي شهد سنوات طفولته الأولى، وارتبط به عاطفياً طوال حياته، الحادث المفاجئ أثار حالة من القلق بين محبيه، خاصة مع تداول صور الحطام ومشاهد فرق الإنقاذ وهي تبحث عن ناجين تحت الأنقاض.
العقار المنهار، الذي يتكون من عدة طوابق، يعد من المباني التراثية المعروفة في حي السيدة زينب، ويعرف بين الأهالي بأنه المنزل الذي نشأ فيه الفنان الراحل، ذلك ما أضفى على الواقعة طابعاً عاطفياً خاصاً، حيث شعر كثيرون أن الحي خسر اليوم جزءًا من تاريخه وذاكرته الفنية.
فور وقوع الحادث، توجهت قوات الحماية المدنية إلى الموقع، بصحبة عدد من سيارات الإسعاف، وتم نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي الرعاية اللازمة، بينما استمرت فرق الإنقاذ في أعمال البحث أسفل الأنقاض عن مفقودين محتملين، كما شهدت المنطقة تواجداً أمنياً مكثفاً.
ارتباط نور الشريف بمنطقة السيدة زينب لم يكن عابراً، بل كان جزءًا من تكوينه الفني والإنساني، وفي أكثر من لقاء تلفزيوني، تحدث عن ذكرياته في هذا الحي الشعبي العريق، مؤكداً أن نشأته بين شوارعه وناسه صقلت شخصيته وشغفه بالسينما.
وفي أحد تصريحاته، قال إنه كان يعشق مشاهدة الأفلام في السينما القريبة من منزله، وكان يذهب كل جمعة إلى عرض مستمر يبدأ في العاشرة صباحاً ويستمر حتى التاسعة مساءً، يتضمن فيلماً عربياً وفيلمين أجنبيين وحلقة قصيرة أجنبية، وأضاف أنه كان يشعر بالسعادة الغامرة وهو جالس في الظلام داخل السينما، كأنه يعيش حلماً لا يريد الاستيقاظ منه.
نور الشريف روى أيضاً موقفاً إنسانياً مؤثراً عن صدمة معرفته باسمه الحقيقي لأول مرة في المدرسة يومها، ظل المعلم ينادي باسم "محمد جابر محمد" دون أن يرد، لأنه لم يكن يعرف أن هذا هو اسمه الرسمي، إذ كان يعتقد أن اسمه "نور إسماعيل".
وعندما توجه إليه المدرس وأخبره بالحقيقة، عاد إلى عمته التي ربته، لتكشف له أن الرجل الذي كان يظنه والده هو في الحقيقة عمه، وأن والده الحقيقي توفي وهو صغير، لحظة معرفته بذلك كانت بمثابة زلزال عاطفي ترك أثراً بالغاً في شخصيته.
الفنان الراحل كان دائماً ما يلقب بـ"آخر الرجال المحترمين"، وامتدت مسيرته الفنية لما يزيد عن أربعة عقود، قدم خلالها عشرات الأفلام والمسلسلات التي أثرت الوجدان العربي، وتميز فيها بعمق الأداء وصدق المشاعر.
لم يكن مجرد ممثل، بل صاحب مشروع فني متكامل يجمع بين التمثيل والإخراج والإنتاج، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والعربية.
منزل نور الشريف الذي انهار اليوم لم يكن مجرد مبنى من طوب وحجارة، بل كان شاهداً على مراحل التكوين والبراءة الأولى، وكان واحداً من ملامح حي السيدة زينب التي لا تنسى.
انهياره أثار موجة من الحزن والحنين، وأعاد إلى الواجهة حكاية فنان لم ينفصل يوماً عن جذوره، واعتبر أن طفولته في الحي الشعبي كانت البذرة الحقيقية لحلمه الكبير.