في الحكاية الثانية من "السينما بتحكي تاريخ".. القصة الكاملة لفيلم "الناصر صلاح الدين" وملحمة تحرير القدس على الشاشة

فيلم الناصر صلاح
فيلم الناصر صلاح الدين

في ظل الحنين المتزايد لدى الجمهور لأفلام الزمن الجميل، واهتمامه المتصاعد بالأعمال الفنية التي تجسد وقائع تاريخية كبرى من ذاكرة مصر والعالم العربي، تظل السينما أحد أبرز أدوات التوثيق الفني التي تحفظ البطولات وتخلد الشخصيات المؤثرة، من خلال رؤية درامية تجمع بين الإبداع والواقع، وتمنح التاريخ حياة جديدة على الشاشة.


وفي هذا الإطار، أطلقت “وشوشة” مبادرة فنية جديدة تُعرض بشكل أسبوعي، وتهدف إلى تسليط الضوء على أبرز الأفلام المصرية المستوحاة من أحداث حقيقية صنعت الفارق في الوعي الجمعي، ونقلت قصصًا من كتب التاريخ إلى شاشات السينما.

حكايتنا هذا الأسبوع عن فيلم “الناصر صلاح الدين”، إحدى العلامات الفارقة في تاريخ السينما المصرية، وأحد أوائل التجارب الكبرى التي دمجت بين الدراما التاريخية والطرح الوطني في معالجة سينمائية رفيعة المستوى.

أُنتج الفيلم عام 1963 بإخراج يوسف شاهين، وشارك في بطولته نخبة من كبار نجوم الفن في ذلك الوقت، على رأسهم أحمد مظهر، ليلى فوزي، نادية لطفي، عمر الحريري، وحسين رياض.

لم يكن “الناصر صلاح الدين” مجرد فيلم حربي أو درامي، بل كان مشروعًا طموحًا لتقديم القائد الإسلامي العظيم الذي وحّد الصفوف وقاد معركة تحرير القدس، في معالجة فنية تحتفي بروح النضال وتستحضر أمجاد التاريخ، وهو ما جعله يُصنف لاحقًا ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، نظرًا لما قدمه من توازن دقيق بين التوثيق والإبداع، إلى جانب جماليات الصورة، وقوة الأداء، وأسلوب الكتابة السينمائية.

مفارقات وكواليس

كواليس إنتاج الفيلم حملت كثيرًا من المفارقات اللافتة، أبرزها أن الفنان أحمد مظهر رفض في البداية تجسيد شخصية صلاح الدين الأيوبي، بعدما عرض عليه السيناريو حين كان المشروع تحت إشراف المخرج عز الدين ذو الفقار، حيث ركزت النسخة الأولى من المعالجة على شخصية “عيسى العوام”، ما دفع مظهر للاعتذار عن العمل لعدم اقتناعه بمركزية الدور.

 

لكن الأمور تغيّرت تمامًا بعد انسحاب ذو الفقار لأسباب صحية، وتسلم يوسف شاهين مهمة الإخراج، حيث أعاد كتابة السيناريو بالكامل، واضعًا شخصية القائد صلاح الدين في قلب الحكاية، مما أعاد مظهر إلى طاولة المشروع، ليقدم الدور لاحقًا باعتزاز، ويعتبره من أعظم محطاته الفنية.

 

في أحد لقاءاته التلفزيونية، صرّح مظهر بأن تصوير الفيلم كان من أصعب التجارب التي خاضها، إذ امتد لأكثر من عام وثلاثة أشهر، وجرى تقديمه بالكامل باللغة العربية الفصحى، لكن بصيغة مبسطة لضمان وصول الرسالة للجمهور. وعلى الرغم من طول مدة التصوير ومشقته، رفض مظهر الحصول على أي مقابل إضافي، احترامًا منه لقيمة العمل ورسالته.

 

من رشدي أباظة إلى مظهر.. رحلة اختيار البطل.
 

ومن الطرائف التي ارتبطت بإنتاج الفيلم، أن الفنان رشدي أباظة كان المرشح الأول لتجسيد دور صلاح الدين، لكن خلافًا فنياً نشب بينه وبين يوسف شاهين خلال التحضيرات، أدى إلى استبعاده من المشروع، ليفتح الباب أمام أحمد مظهر الذي جسد الدور بإتقان، وجعل من شخصية صلاح الدين رمزًا سينمائيًا خالدًا لا يُنسى.

يبقى “الناصر صلاح الدين” أكثر من مجرد فيلم، فهو وثيقة فنية وتاريخية تحمل في طياتها عبق الماضي، وجماليات السينما الكلاسيكية، ورسالة وطنية لا تزال تحتفظ ببريقها حتى اليوم.

ومع كل عرض جديد له على الشاشة، يعود المشاهد العربي ليعيش من جديد لحظة النصر، وشجاعة القائد، وروعة الحكاية.

تابعونا في الأسابيع المقبلة مع المزيد من “حكايات من ذهب”، حيث نعيد سويًا اكتشاف الأفلام التي حفظت الذاكرة، وصنعت التاريخ على طريقة الفن.

تم نسخ الرابط