إلى عرفات الله… حين غنّت أم كلثوم من مقام الروح

 أم كلثوم
أم كلثوم

في زحمة الأصوات، وتراكم الأغاني، تبقى بعض اللحظات مغلّفة بالسكينة… لحظة يقف فيها الصوت وقفة عارف، واللحن سجدة، والكلمة نورٌ يهمس إلى القلب: “قِف هنا، فقد اقتربت”.

هكذا تبدأ أم كلثوم أغنيتها الفريدة:
“إلى عرفات الله يا خيرَ زائر…”
كأنها لا تغنّي، بل تتلو من وحي القلوب الخاشعة.

الأغنية مهداة للحجاج، لكنّها ليست حكرًا عليهم… فهي حجٌّ سماعيّ، تتجلّى فيه مفردات النقاء، وصفاء التوبة، ورهبة الموقف. كل جملة فيها تصلح أن تكون دعاءًا باكيًا في جوف ليلة عرفات.

"إذا زرت بعد البيت قبر محمد .. وقبلت مثوى الأعظم العطرات..
      وفاضت من الدمع العيون مهابة .. لأحمد بين الستر    والحجرات…
    وأشرق نور تحت كل سنية .. وضاء أريج تحت كل حصاة
فقل لرسول الله يا خير مرسل .. أبثك ما تدري من الحسرات"

وهنا، تتسلل الأغنية كرفيق طريق… تقول لنا إن عرفات ليس بعيدًا، وإن القلب إذا صدق… أدرك المقام.

في هذه اللحظة، لا يهم من أين أتيت، بل ما الذي تحمله في قلبك.

رياض السنباطي لا يصنع لحنًا هنا، بل يُشيد مئذنة صوتية تُصلّي، ترتفع شيئًا فشيئًا، حتى تلامس السماء.
وصوت أم كلثوم في ذروة طهره، يُجسد المرأة العارفة بالله، لا المطربة.

مفردات الأغنية مزيج نادر من البلاغة والتسليم، بين “التقوى”، و”العبرة”، و”التجلي”، و”الركوع”، وبين التضرع والبكاء والخشوع، لا ترى فقط شاعرًا يكتب، بل روحًا تنسكب.

“شعوبك في شرق البلاد وغربها .. كأصحاب كهف في عميق سبات"

تبقى أم كلثوم بصوتها في هذه الأغنية، لا تؤدي عملاً فنّيًا، بل تُقيم شعيرة.

في يوم كهذا، يكفي أن نُصغي إليها، فنركع…
أن نُردّد معها، فنرتفع…
أن نغني:
“إلى عرفات الله قلبي تَحرّكا…”
فنصل، ولو كنّا بعيدين.

تم نسخ الرابط