نقاد لـ"وشوشة": عودة الأغاني القديمة ليست "ترند مؤقت"

شهدت منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة انتشاراً واسعاً لمقاطع من الأغاني القديمة ومشاهد من أفلام الزمن الجميل، الأمر الذي أثار حالة من الجدل بين المتابعين والمختصين، خاصة مع التفاعل الكبير الذي حظيت به هذه الأعمال من مختلف الفئات العمرية.
وفي تصريحات خاصة لـ"وشوشة"، تحدث عدد من نقاد الفن عن هذه الظاهرة، معتبرين أنها ليست مجرد "ترند مؤقت"، بل حالة وجدانية مرتبطة بالحنين إلى الماضي، الذي طالما ارتبط في وجدان الجمهور بمشاعر الأمان والبساطة.
أحمد سعد الدين
قال الناقد الفني أحمد سعد الدين إن تفاعل الجمهور مع الأغاني القديمة ليس جديداً، موضحاً أن الشعب المصري والعربي عموماً يتمتع بطبيعة عاطفية تجعله يميل لاسترجاع الذكريات من خلال الفن، خصوصاً الأغنيات التي ارتبط بها في مراحل الطفولة أو الشباب.
وأضاف: "عند سماع أغنية قديمة ارتبطت بمرحلة زمنية معينة، يستعيد الجمهور معها مشاعر الحنين والشجن، وقد تجلى ذلك مؤخراً من خلال مسلسل قلبي مفتاح الذي عرض في رمضان، وتضمن أغنية شهيرة لفريد الأطرش مر على إصدارها أكثر من سبعين عاماً، وفور عرض مقاطع منها، أعاد الجمهور تداول الأغنية بكثافة عبر منصات السوشيال ميديا".
وأشار إلى أن هذا التفاعل يعكس تقديس الجمهور للماضي، حيث يختار دائماً تذكر الأجزاء الجميلة منه، حتى وإن كانت تلك الفترات تحمل صعوبات، إلا أن الأغاني القديمة تثير في النفس حالة من الدفء والانتماء، معتبراً أن هذه الحالة تتكرر كل فترة بشكل تلقائي.
وأكد سعد الدين أن تصدر الأغاني القديمة لمنصات التواصل لا يعد ظاهرة عابرة، موضحاً: "نحن في عصر كل شيء فيه أصبح يشبه الترند، لكن الحنين إلى الماضي يظل ثابتاً، لأنه ينبع من عمق وجداني لا يتغير، حتى وإن تغيرت الوسائل أو تبدلت الأذواق".
أشرف عبد الرحمن
من جانبه، أكد الناقد الفني أشرف عبد الرحمن، أن ظاهرة إعادة نشر الأغاني القديمة ومشاهد الزمن الجميل عبر منصات التواصل الاجتماعي ليست جديدة على الساحة الفنية، مشيراً إلى أن الحنين إلى الماضي يعد أحد أبرز ملامح التفاعل الجماهيري، خاصة في أوقات تراجع المستوى الفني للأعمال الحديثة.
وأوضح أن "السوشيال ميديا" أصبحت المنصة الأكثر تأثيراً على الرأي العام، وتلعب دوراً رئيسياً في إعادة توجيه الذوق العام، لافتاً إلى أن الجمهور، عند شعوره بالملل من المحتوى الحالي أو انخفاض مستوى الإنتاج، يلجأ لاستعادة الأعمال الفنية ذات القيمة، التي ترتبط بالوجدان والذكريات.
وتابع عبد الرحمن حديثه قائلاً: "ظاهرة إعادة إحياء الفن القديم لم تقتصر على المنطقة العربية فقط، بل ظهرت بوضوح في الموسيقى الغربية أيضاً، حيث شهد القرن العشرون ظهور تيار النيو كلاسيك، الذي أعاد تقديم الموسيقى الكلاسيكية التي سادت بين عامي 1750 و1820، بعد فترات من الطفرة في أنماط موسيقية جديدة مثل الباروك والرومانسية".
وأضاف: "ما نشهده الآن من تفاعل مع الأغاني القديمة يعكس حالة وجدانية عامة، تتعزز بفضل سهولة النشر عبر السوشيال ميديا، التي ساهمت في إحياء مقاطع صوتية وبصرية كانت قد اختفت من التداول، مما يدفع فئات جديدة من الجمهور للتفاعل معها، ونقل هذا الحنين إلى دوائر أوسع".
وأكد: "كثيرا من المنصات أصبحت تتخصص في أرشفة الصور والمشاهد القديمة، ما يؤدي إلى انتشار أوسع لمحتوى الزمن الجميل، ويخلق موجة جماهيرية من التأثر والاهتمام المتجدد، معتبراً أن تلك الظاهرة تتكرر كلما شعر الجمهور بعدم الرضا عن مستوى الإنتاج الفني المعاصر".
واختتم: "الحنين للماضي ليس ظاهرة عابرة، بل هو رد فعل طبيعي في أوقات الضعف الفني، وهو ما يحدث اليوم في العالم العربي، كما حدث سابقاً في الغرب".
أحمد السماحي
أما الناقد الفني أحمد السماحي، فأرجع حالة الانتشار الواسع للأغاني القديمة والمشاهد المسترجعة من الزمن الجميل إلى ما وصفه بـ"النوستالجيا"، موضحاً أنها حالة وجدانية متكررة تمر بها الأجيال، وتعبر عن ارتباط الجمهور العميق بالتراث الفني الوطني في الغناء والمسرح والسينما.
وقال: "هذه الظاهرة ليست جديدة، بل تتكرر كل فترة، وتتصاعد فيها مشاعر الحنين إلى الماضي، ومصر تملك رصيداً فنياً ضخماً جعلها من أوائل دول العالم في صناعة الفن، مما يجعل استعادة هذا التراث أمراً طبيعياً ومتوقعاً".
وأضاف: "الأغاني التي ارتبط بها الجمهور في مراحل عمرية معينة، مثل الإعدادية أو الجامعة، تظل محفورة في الذاكرة، وعند سماعها مجدداً، تستدعي ذكريات الماضي وتحدث حالة من التفاعل العاطفي القوي، ما يجعل الأغاني القديمة حاضرة باستمرار في وجدان الجمهور".
وأكد السماحي أن هذا الحنين لا يعني التقليل من قيمة الفن المعاصر، مشدداً على أن الأعمال الحديثة ستتحول مع الوقت إلى ذكريات مشابهة لدى الأجيال الحالية وقال:"نحن نعيش على ذكريات الفن، وربنا لا يحرمنا من فنانينا وموروثنا الثقافي والفني".
وأشار إلى أن مصر تمتلك تاريخاً فنياً يمتد لأكثر من 150 عاماً في السينما والمسرح والغناء، وهي ذخيرة ضخمة ما زالت تؤثر في أجيال الحاضر، حيث لا يزال هناك من عاصر واستمع إلى عمالقة الطرب مثل: أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، نجاة، فايزة أحمد، وردة، محمد رشدي، محمد قنديل وغيرهم.
واختتم السماحي تصريحاته بالتأكيد على أن الأجيال القادمة ستعيد بدورها استحضار أعمال نجوم الجيل الحالي، مثل تامر حسني، حكيم، رامي صبري، وصولاً إلى أغاني المهرجانات والراب، مشدداً على أن "هذه الحالة الوجدانية من النوستالجيا لن تختفي، بل ستستمر وتتجدد مع كل جيل، وتبقى جزءًا أصيلاً من علاقتنا بالفن".