أمينة السعيد.. أول صوت نسائي يخترق أسوار الصحافة المصرية وناضلت من أجل الحرية والمساواة

أمينة السعيد
أمينة السعيد

حين نذكر تاريخ الصحافة النسائية في مصر، لا يمكن أن نتجاهل اسم أمينة السعيد، تلك المرأة التي لم تكتفِ بكسر التقاليد، بل أعادت صياغة دور المرأة في مجتمع كان يُقصيها عن المشهد العام، استطاعت أن تفرض وجودها بقلمها وجرأتها، لتصبح من أبرز الأصوات النسوية في الصحافة والثقافة، وواحدة من أهم الشخصيات التي مهدت الطريق لأجيال من النساء الطامحات إلى العدالة والمساواة.

 

البدايات في وجه القيود

ولدت أمينة السعيد في القاهرة عام 1914، لكنها قضت جزءًا من طفولتها في أسيوط، حيث ترعرعت في بيئة محافظة شديدة التقييد للفتيات، هذه النشأة كانت بمثابة الشرارة الأولى التي أوقدت في داخلها التمرد والرغبة في التغيير. منذ صغرها، شعرت بعدم المساواة، وأدركت أن دور الفتاة لا يجب أن يُختصر في الطاعة والصمت.

 

التحاق مبكر بالعمل النسائي

في سن الرابعة عشرة، انضمت أمينة إلى صفوف الاتحاد النسائي المصري بقيادة هدى شعراوي، التي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل وعيها، لم تكن مجرد مشاركة شكلية، بل بدأت منذ ذلك الحين تضع لنفسها موقعًا وسط صفوف المناضلات من أجل حقوق المرأة.

 

طالبة من طراز خاص

عام 1931، أصبحت من أوائل الفتيات اللاتي التحقن بجامعة فؤاد الأول، حيث درست الأدب الإنجليزي، ورغم ما واجهته من نظرات واستغراب، كانت تُصر على خلع الحجاب والمشاركة في الأنشطة الجامعية، بما فيها ممارسة الرياضة، متحدية النظرة التقليدية لدور المرأة.

 

بزوغ نجمها في الصحافة

مع نهاية دراستها الجامعية، فتحت لها الصحافة أبوابها. كتبت في مجلات مثل "آخر ساعة" و"كوكب الشرق"، قبل أن تنتقل إلى مؤسسة "دار الهلال"، حيث التحقت بمجلة "المصور"، وبدأت رحلتها الطويلة والمؤثرة في بلاط صاحبة الجلالة.

وفي عام 1954، تولت رئاسة تحرير مجلة "حواء"، أول مجلة نسائية مصرية، والتي كانت منصة قوية للدفاع عن حقوق النساء والتعبير عن قضاياهن، حتى أصبحت صوتًا نسويًا لا يُمكن تجاهله.

 

ريادة إعلامية غير مسبوقة

بفضل تميزها واستقلاليتها، وصلت إلى منصب رئيس مجلس إدارة دار الهلال في عام 1976، لتكون أول سيدة تتولى هذا المنصب في مؤسسة صحفية كبرى. لم يكن هذا مجرد انتصار شخصي، بل لحظة مفصلية في تاريخ المرأة المصرية، تؤكد أن الحضور النسائي لا يقل كفاءة عن الرجال في مواقع القيادة.

 

مواقف جريئة ومعارك فكرية

لم تكن أمينة السعيد صحفية تقليدية، بل كانت صاحبة مواقف واضحة في قضايا كانت تعتبر من المحرمات.

طالبت بإلغاء المحاكم الشرعية، ودعت إلى مساواة كاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية والاجتماعية، ووقفت ضد التمييز في التعليم والعمل، مؤمنة بأن المرأة لا تنقصها القدرة، بل تُحرم من الفرصة.

 

إبداع أدبي بنَفَس نسوي

لم تكتف أمينة بالعمل الصحفي، بل دخلت عالم الأدب، وقدمت عدة مؤلفات وروايات أبرزت من خلالها معاناة المرأة وقضاياها، منها "الجامحة" و"أوراق الخريف" و"وجوه في الظلام"، حيث كانت صوتًا صريحًا للتعبير عن الذات النسوية في مجتمع ما زال يضع قيودًا على المرأة.

 

تكريم مستحق ورحيل صامت

حصلت على أوسمة رفيعة مثل وسام الجمهورية ووسام الاستحقاق، كما نالت تكريمات محلية ودولية تقديرًا لدورها الريادي في الإعلام والدفاع عن حقوق النساء.


رحلت أمينة السعيد في 13 أغسطس عام 1995، لكن ذكراها باقية في كل قلم نسائي تحرر من الخوف، وفي كل صوت نسوي ارتفع للمطالبة بالحق.

تم نسخ الرابط