في ذكرى ميلاده ورحيله… محمد رفعت “قيثارة السماء” الذي لم يكن يقرأ بل كان يُناجي

الشيخ محمد رفعت
الشيخ محمد رفعت

في ذكرى مولده ورحيله…
محمد رفعت، صوت ما بين الأرض والسماء.
لم يكن يقرأ القرآن… بل كان يُناجي.
خشوعه يبكي، وصوته يُصلي، وقلوبنا كلما سمعناه… تهدأ.

في التاسع من مايو وُلد صوت لا يشبه ما قبله ولا ما بعده،
صوت حين تسمعه لا تقول: هذا قارئ… بل تقول: هذا نورٌ يُتلى.

الشيخ محمد رفعت، الذي فقد بصره وهو طفل، لكن البصيرة اختارته،
والذي عاش في ظلال القرآن لا يقرأه، بل يُنزله على القلوب كما لو كان وحيًا يتجدد.

عاش فقيرًا، متواضعًا، نقيًّا… لكنه حين يفتح صوته،
تسكت الأرض، وتصغي السماء،
كأن الملائكة تفسح له طريقًا بين النجوم.

 

صوتٌ ليس من الدنيا… بل منها وإليها

حين اختارته الإذاعة المصرية ليفتتح بثها في عام 1934،
لم يكن صوته مجرد صوت افتتاح…
بل كان أول نَفَسٍ يُعلن أن الكلمة الأولى في مصر… كانت آية.

قرأ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}،
ففتح الله على قلب كل من سمعه،
وصار منذ تلك اللحظة، صوتًا يُعرّف به جمال التلاوة، ويُستشهد به حين يُقال: هذا هو الخشوع.


لماذا نحب محمد رفعت؟

لأنه لم يكن يقرأ ليرتّل…
كان يقرأ ليبكي،
كان يقرأ ليرقّ القلب، ويهدأ العقل، وتسيل الدموع دون مقاومة.

هو ليس مجرد قارئ، بل رسالة، ونبض من نور، ولغة من لغات الرحمة.

كما قال عنه الشيخ الشعراوي:
“إن أردت الخشوع، فهو محمد رفعت… وإن أردت الكلّ، فهو أيضًا محمد رفعت.”


الشيخ الذي خاف أن يبيع التلاوة… فاستفتى قلبه

حين طلبت منه الإذاعات تسجيل صوته مقابل أجر،
توقف، وخاف، واستفتى شيخ الأزهر المراغي،
لأن القرآن بالنسبة له لم يكن حرفة، بل عبادة.

ذلك الورع، وذلك الحياء، كان جزءًا من نَفَس صوته،
لذلك حين تقرأ عليه، تحس أنك في حضرة رجل لا يرفع صوته… بل يرفعه القرآن بين يديه.


صوت باكٍ… وصاحب وجه مُضيء

قال عنه الشيخ أبو العينين شعيشع:
“كان يقرأ والدموع على خديه… كأنه يقرأ من قلبه لا من حنجرته.”
ووصفه الشيخ الصيفي بقوله:
“رفعت لم يكن كبقية الأصوات… لقد كان هِبة من السماء.”
وقال الإمام المراغي:
“هو تكريم من الأقدار للإنسانية.”

توفي الشيخ محمد رفعت في نفس يوم ميلاده، 9 مايو 1950،
بعد حياةٍ وهبها لخدمة القرآن، وخدمة القلوب التي لا تعرف كيف تخشع إلا حين تسمعه.

ودُفن كما أراد، قرب مسجد السيدة نفيسة،
في حضرة الأولياء… الذين يشبهونه في النور.

محمد رفعت… لا يزال يتلو

كل مرة يُبث فيها صوته،
نحس أن الليل أرق، وأن القلب أهدأ،
وأن هذا الصوت لم يُسجّل فقط… بل كُتب في كتاب المحبين.

رحم الله الشيخ محمد رفعت،
الذي علّمنا أن القرآن إذا قُرئ بصدق، صار سُكنى، وسكينة، وسرًّا من السماء.

تم نسخ الرابط