“والله لسه بدري يا شهر الصيام”… لماذا تبكينا هذه الأغنية كل عام؟

ما السرّ في هذه الأغنية؟
لماذا كلما سمعناها، غمرتنا تلك الغصة؟
هل هو الحنين؟ أم أننا نودّع شيئًا أكبر من الأيام… نودّع لحظة من النور؟
يمضي رمضان كما جاء…
هادئًا، رقيقًا، يطرق أبواب قلوبنا دون ضجيج،
ثم يغادر، ويتركنا نتمسك بأطرافه، كأننا نرجوه أن يبقى قليلًا.
لم يكن يومًا مجرد شهر،
بل كان مرآة لنفوسنا كما نحبها أن تكون:
أنقى، أقرب، وأهدأ.
ومع اقتراب الوداع، لا نجد كلمات تعبّر عن هذا الشعور…
إلا تلك الأغنية،
تخرج من القلب إلى القلب، وكأنها تقول كل ما عجزنا عن قوله:
“والله لسه بدري يا شهر الصيام…”
تلك الأغنية التي أصبحت نشيد وداع رمضان، كتب كلماتها الشاعر عبد الفتاح مصطفى، ولحّنها جمال سلامة،
ووهبتها شريفة فاضل من صوتها صدقًا خالدًا.
لم تكن الأغنية من نصيبها في البداية، لكن الأقدار رتّبت كل شيء.
دخلت شريفة استوديو 46، وغنّت…
ومن أول تسجيل، شعر الجميع أن هذه ليست مجرد أغنية،
بل شعور نقي، صدق صافي، يصل إلى القلب دون أن يُفسَّر.
تنازلت شريفة فاضل مع الشاعر عبد الفتاح مصطفى عن أجرهما،إكرامًا لرمضان، 15 جنيهًا لكل منهما، فلم تكن الأغاني الدينية تُنتج للربح،بل للبركة.
ومنذ ذلك الحين، صارت الأغنية تُذاع في كل بيت،
وتُردد على ألسنة الصغار والكبار،
وصارت، دون أن نُدرك، إعلان الوداع الرسمي لرمضان.
ومنذ ذلك اليوم، لم تَعد الأغنية مجرد لحن، بل طقسًا من طقوس الوداع، نسمعها فنبكي، لا حزنًا فقط، بل امتلاءً.
كأنها تقول لنا:
“لا تخافوا من الفُراق، فالنور الحقيقي لا يرحل.”
ربما نبكي عند سماعها لأننا لم نكتفِ، لأن أرواحنا كانت تحتاج أكثر من هذا القرب، لأن رمضان حين يأتي، يعيدنا لأنفسنا،وحين يرحل… نشعر أننا نبتعد من جديد.
لكن الأغنية، كل عام، تعيدنا للحظة الصدق.تعلّمنا أن الفرح لا يأتي إلا بعد تعب،وأن أجمل الأشياء لا تبقى، لكنها تترك أثرًا لا يزول.
فكلما اقتربت نهاية الشهر، نهمس“والله لسه بدري يا شهر الصيام…”
لأن رمضان لا يُغادر… بل يسكن القلب.