رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح
رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح

بعد واقعة "طفل البلكونة".. أطفال مصر فى خطر!

العنف الجسدى من جانب الأب أو الأم ضد الأطفال، ظاهرة خطيرة انتشرت فى مصر بالآونة الأخيرة، وتزداد يومًا بعد يوم، بالرغم أن قانون الطفل الحالى فى مصر ينص فى المادة 7 مكرر (أ) على مراعاة واجبات وحقوق رعاية الطفل، وحقه فى التأديب المباح شرعاً، ويحظر تعريض الطفل عمداً لأى إيذاء بدنى ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة، إلا أن ما يتعرض له الأبناء من انتهاكات أرجعه خبراء علم النفس إلى وجود انهيار ثقافى داخل المجتمع مع انخفاض الوعى الدينى، وهو الأمر الذى أدى لزيادة السلوكيات السيئة، بالاضافة لعدم الوعى العام بحقوق الطفل.


وأشارت إحصائية لمنظمة اليونيسيف لعام 2018 إلى أن العنف النفسى كان أكثر أشكال العنف التى يتعرض لها الأطفال بنسبة 86% فى أسيوط و76% بين الأطفال فى القاهرة و73% فى الإسكندرية، وفيما يخص العنف الأسرى كانت النسبة 60% فى أسيوط و40% فى الإسكندرية مقابل 41% من الأطفال فى القاهرة.


أما العنف الجسدى من جانب الأب أو الأم ضد الأطفال، فأشارت الإحصائية إلى أن 31% من الأباء والأمهات يرون العنف الجسدى مقبول ويمارسونه ضد الأطفال مقابل 32% فى الإسكندرية و33% فى أسيوط بينما قال 37% من الأباء والأمهات فى القاهرة إن العنف الجسدى مقبول ولكن لم يمارسوه ضد الأطفال مقابل 42% فى الإسكندرية و38% فى أسيوط.


طفل النافذة


ومن الاعتداءات التى تعرض لها الأطفال مؤخرا، ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منذ أيام قليلة فائتة، لمقطع مصور لـ"طفل النافذة"، فى مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة وهو يحاول الوصول إلى الشرفة، وتظهر في الفيديو سيدة تعنفه لنسيانه "مفتاح البيت"، وهو ما دفع المجلس القومى للطفولة والأمومة، بالتقدم ببلاغ للنائب العام، للتحقيق فى الواقعة.


أم بلا رحمة


ومن الانتهاكات التى تعرض لها الأطفال أيضا، ما كشفه المحضر الذى تقدم به محمود رضا، إلى قسم شرطة المطرية، حمل رقم 3154 إدارى لسنة 2018، اتهم  فيه مطلقته بالإهمال وإثباته بالصور والفيديوهات وجود حروق على ظهر يدي نجله "يوسف"، ما يفيد تعرضه للتعذيب، كما حرر محضرا آخر ضد الأم فى نجدة الطفل، حمل رقم 148016.


جحيم أب


أما هذه القصة الغريبة التى تهتز لها الأفئدة، وهزت حى السلام شرق القاهرة، قيام أب بتعذيب طفليه "منة 10 سنوات"، و"نور 8 سنوات"، بعد انفصاله عن والدتهما بسبب الخلافات الزوجية غير عابئين بمصير الطفلين، وتزوج كل منهما بآخر، وأصبح الأطفال فى حيرة بين نار زوجة الأب وجحيم زوج الأم.


وعاشت "منة" بصحبة أخيها "نور" مع والدهما وزوجته بعد زواج والدتهما من أخر، واظب الأب على تعذيب طفليه بشتى أنواع العذاب، استعان الأب بزوجته فى مسلسل تعذيب أطفاله ليل نهار، مما أدى لإصابة الطفلين بحالات نفسية سيئة تحولت لمرض نفسى، وحاولا الهروب من جحيم الأب بالذهاب للأم، إلا أنها رزقت بمولود من زوجها الجديد، فقررت إيداعهما دار رعاية نفسية، وهو ما أدى لاستثارة الأب، واستعادة أطفاله من جديد، لكن هذه المرة كان التعذيب أشد وأكثر ألما، ولم يتحمل جسد الطفلين الهزيل هذا التعذيب، مما أدى لوفاة الطفلة، وحاول الأب أن يضغط على الطفل الآخر بأن يشهد بأن شقيقته صدمتها إحدى السيارات، مهددا الطفل بالتعذيب كما اعتاد دائما.


مرارة اليُتم


وداخل مصلحة الطب الشرعى بالقاهرة وقف الأطفال الأربعة يشدد كلًا منهم عضد أخيه، عيونهم تجوب أركان المكان ذهابًا وإيابًا، منتظرين دورهم فى العرض على خبراء الطب الشرعى؛ فى تلك اللحظات وقبل دقائق من توقيع الكشف الطبى عليهم، عادت ذاكرتهم للخلف أسابيع قليلة، حينما كان والدهم على قيد الحياة، الظروف كانت صعبة وقاسية، ولكنه كان يخفف عليهم قدرًا من قساوتها، رغم أنه كان طوال الوقت فى العمل ولا يعود إلا فى المساء، وكانت زوجة والدهم تستغل تلك الساعات التى يقضيها فى الخارج، لتظهر لهم الـ"عين الحمراء" كما كان يحلو لها أن تقول لهم.


لم تكن حياة الأطفال الأربعة البنتين والولدين طيبةً فقد عانوا مرارة فقدان الأم منذ صغرهم، ورزقوا بزوجة أب لا تملك إلا قلبًا قاسيًا أذاقهم شتى ألوان العذاب.


مرت الأيام سريعًا وكبُر الأطفال، حتى بلغ سن أصغرهم الـ7 وأكبرهم الـ14 من العمر، وفى صباح إحدى الليالى استيقظوا على صوت صراخ وبكاء داخل المنزل، وفوجئوا بأن والدهم قد توفى، وأصبحوا يتامى الأب والأم، ولم يكن يدروا أن المصير الذى كانوا يلاقوه من زوجة أبيهم فى ساعات الصباح قبل عودة والدهم من العمل، ستتضاعف نهارًا ومساءًا، فما أن انتهت مراسم الدفن والعزاء، "استفردت" الزوجة بالأطفال الأربعة.


وبحجة "الشقاوة" اقتادت زوجة الأب المتوفى الأطفال الأربعة واحتجزتهم داخل غرفة كانت بمثابة "سلخانة" للتعذيب، قيدتهم بالسلاسل الحديدية، وتفننت فى إذاقتهم شتى ألوان العذاب، وأعدت عدتها من عصى وخراطيم وسجائر، ومارست هوايتها السادية فى التعدى عليهم بالضرب، وسط صرخاتهم وبكائهم المستمر، والذى لم يشفع لهم، ولم يرق لها قلبها، واستمرت فى ذلك، وكان طوق نجاة الأطفال الأربعة هو عمهم، فبعد أسابيع من وفاة والدهم، قررت أسرة الأب التوجه إلى حيث يقيموا مع زوجة والدهم بمركز الصف بجنوب الجيزة؛ لاصطحابهم للإقامة معهم، وما أن وصل المنزل وسأل عنهم، أخبرته الزوجة أنها لا تدرى أين هم، وأنهم خرجوا منذ ساعات ولم يعودوا، وقبل أن يغادر العم المنزل، سمع صوت صراخ وبكاء صادر من إحدى الغرف، فاسترعى ذلك انتباهه، وحاولت زوجة الأب تضليله، ولكنها فشلت فى ذلك، وتوجه العم إلى الغرفة المحتجز فيها الأطفال الأربعة، وما أن فتحها حتى وجد أبناء شقيقه المتوفى فى حالة إعياًء شديدة، مقيدين بسلاسل حديدية داخل الغرفة، وعليهم أثار ضرب وتعذيب، فثأرت ثائرته وفك قيودهم، واصطحب الزوجة معه عنوة والأطفال إلى قسم الشرطة وهناك حرر محضر ضده بتعذيب الأطفال الأربعة.


"الطفولة والأمومة ": لا يوجد نص تفصيلى حول التأديب!


من جانبها، أكدت الدكتورة عزة العشماوى، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، أن للأب أو الأم أو من يتولى رعاية الطفل حق تأديبه ولكن لا يوجد نص تفصيلى حول حدود هذا التأديب أو متى يتم اعتبار الفعل التأديبى تخطى الحد وتحوله لتعذيب أو أذى بدنى.


وتابعت "العشماوى" قائلة: كذلك يقابل هذا فى أرض الواقع ثقافة ومخزون تراثى يشجع على العنف فى أمثال شعبية تناقلتها الأجيال على غرار "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24" أو "اللى ما يسمع كلام والديه ياما يجرى عليه" وعبارات يقولها الأب والأم مثل "أنا بضربك عشان مصلحتك" أو "كلنا انضربنا واحنا صغيرين".


وأشارت إلى إنه فى حال الإبلاغ عن تعرض طفل للتعذيب أو الضرب على الخط الساخن الخاص لنجدة الطفل 16000.


طبيبة نفسية: العقاب الزائد "خطر كبير"


وأوضحت الدكتورة إيمان دويدار، استشاري طب نفسي الأطفال، أنه إذا ما كان العقاب والعنف تجاه الطفل بصورة أكبر من الخطأ الذي قام به الطفل كلما كان ذلك أدعى لتحوله إلى شخص عنيف وكان أكثر لامبالاة وعدوانية.


وأضافت أن التربية الصحيحة تقوم على إعلاء سقف الحافز بإثابة الطفل وتشجيعه على فعل الصواب من خلال تحفيزه على ذلك وتقليل سقف العقاب إلى أن يختفي ذلك السقف، وفي مقابل ذلك نجد أن التوازن ما بين الثواب والعقاب ووجود الحافز والسلوك السوي يؤدي إلى حدوث الاستواء النفسي للطفل، لافتة إلى أن الطفل من سن 5إلى 7 سنوات ويجب التعامل معه على أساس الحافز المادي الذي يشعر به حينما يقوم بفعل الصواب أو الخطأ، على أساس عدم استيعابه للحافز المعنوي، مؤكدة أن الحافز المعنوي موجه للمرحلة السنية الأكبر ويتيح شعور الطفل بالقبول والتحفيز والتشجيع على فعل الصواب دائما.