رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح
رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح

بالفيديو.. نقيب القراء وأيوب المقرئين.. الشيخ محمد محمود الطبلاوي

صاحب الحنجرة النحاسية والصوت الرنان

زاحم كبار القراء وهو في الخامسة عشرة من عمره لما يتميز به من  من قوة الأداء.. وقدرات عالية وروح شابة

يقرأ الساعات الطوال دون أن تظهر عليه علامات الإرهاق.. لقوة صوته وحفاظه على صحته

تقدم تسع مرات للإذاعة ولم يعتمد إلا في الاختبار العاشر بتقدير امتياز بإجماع لجنة الاستماع

حقق من الشهرة خلال نصف ساعة بالراديو ما لم يحققه غيره في ثلاثين عاماً

أول من قرأ القرآن في اليونان وروما بدعوة من قادة غير مسلمين

 

 

لا يختلف اثنان من محبي سماع القرآن على أن أقوى حنجرة للمقرئين هي حنجرة الشيخ محمد محمود الطبلاوي ، والرجل يتميز إلى  جانب قوة الحنجرة  بالصوت الرخيم والقدرة العجيبة على التأثير في آذان ووجدان مستمعيه،ويجعلهم يتخيلون آيات العذاب وهول العقاب.

 

والشيخ الطبلاوي هو قارئ السورة بالجامع الأزهر الشريف  بالقاهرة ،ويشغل حالياً منصب نائب نقيب القراء بمصر.

 

وكان نبوغ الشيخ الطبلاوي في حفظ وتلاوة القرآن استجابة من الله لدعوة والده بأن يروقه طفلاً يحفظ القرآن ،فتحققت للأب المحب لكتاب رغبته وأجاب الله  تضرعه الصادق وطموحه الشريف

 

ولد الشيخ محمد محمود الطبلاوي يوم 14/11/1934 في قرية ميت عقبة مركز إمبابة بالجيزة وأيامها كانت ميت عقبة قرية صغيرة قريبة جداً من ضفاف نيل مصر الخالد.

 

كان أهم ما يميز ميت عقبة آنذاك، انتشار الكتاتيب والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم بصورة لم تعد كما كانت عليه من قبل، و ذهب به والده الحاج "محمود" رحمه الله إلى كتاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل لأنه ابنه الوحيد، وعرف الطفل الموهوب محمد محمود الطبلاوي طريقه إلى الكتاب وهو في سن الرابعة مستغرقاً في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظاً وتجويداً في العاشرة من عمره.

 

كانت بداية شاقة وممتعة في نفس الوقت بالنسبة للفتى المحب لكتاب الله عز وجل والذي لم يرض عنه بديلا، حيث كان والده يضرع إلى السماء داعياً رب العباد أن يرزقه ولداً ليهبه لحفظ كتابه الكريم وليكون من أهل القرآن ورجال الدين،فاستجاب الخالق القدير لدعاء عبده الفقير إليه ورزق بمولوده الوحيد ففرح بمولده فرحة لا تدانيها فرحة  أخرى في حياته كلها، ليس لأنه رزق ولداً فقط وإنما ليشبع رغبته الشديدة في أن يكون له ابن من حفظة القرآن الكريم، لأن والده كان يوقن أن القرآن هو التاج الذي يفخر كل مخلوق بأن يتوج به لأنه تاج العزة والكرامة في الدنيا والآخرة.

 

وهذه النعمة العظيمة التي منّ الله علي الطبلاوي الأب بها  كانت سبباً في حب ملايين المسلمين في شتى بقاع الأرض لابنه الشيخ محمد وكانت ثمرة كفاح وصبر الأب  وتقديم العون والمساعدة لابنه لكي يتفرغ لحفظ القرآن الكريم، وبعد أن حفظ الفتى الموهوب محمد محمود الطبلاوي القرآن كاملاً بالأحكام ولم يتوان لحظة واحدة عن  توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتّاب أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن مرة كل شهر.

 

وكان شيخه الذي حفظه القرآن بالكتاب  يقول له مشجعاً ومتوسماً مستقبله الباهر: "يا محمد أنت موهوب وصوتك جميل جداً وقوي ومعبر".

 

ولأن الشيخ  كان خبيراً بالفطرة أستطاع أن يميز الأصوات بقوله: محمد الطبلاوي صوته رخيم، وكان يحثه على الاهتمام بصوته وأولاه رعاية واهتماماً خاصاً على غير ما كان يفعل مع زملائه من حيث التحفيظ بدقة والمراجعة المستمرة.

 

وبدأ قارئاً صغيراً غير معروف كأي قارئ شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة فقرأ الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة، وكان كل ذلك في بداية حياته القرآنية قبل بلوغه الخامسة عشرة من عمره وكان راضيا بما يقسمه الله له من أجر  لم يزد على ثلاثة جنيهات في السهرة ولما حصل على خمسة جنيهات تخيل أنه بلغت المجد ووصل إلى القمة.

 

وبعدها انفرد الشيخ "الطبلاوي" بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة فاشتهر في الجيزة والقاهرة والقليوبية، وأصبح القارئ المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظراً لقوة أدائه وقدراته العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة زمنية تزيد على الساعتين دون كلل ولا يظهر عليه الإرهاق.

 

بالإضافة إلى إصرار الناس على مواصلته للقراءة شوقاً للمزيد من الاستماع إليه لما تميز به من أداء فريد فرض موهبته على الساحة بقوة،ساعده على ذلك حرصه الشديد على صوته وصحته مع المواظبة على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة وعن طريق الإذاعة أمثال الشيخ رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد سلامه والشيخ الصيفي والبهتيمي ومصطفى إسماعيل وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة.

 

يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدماً للالتحاق بالإذاعة كقارئ بها وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة ومبدءاً وثقة في نفس هذا القارئ المتين بكل معاني هذه الكلمة. لم يتسرب اليأس إلى نفسه ولم تنل منه أي سهام وجهت إليه. وإنما تقبل كل شيء بنفس راضية مطمئنة إلى أنّ كل شيء بقدر وأنّ مشيئة الله فوق مشيئة البشر.

 

تقدم تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله له، وفي المرة العاشرة اعتمد قارئاً بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم والانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر بإمكاناته العالية، وحصل على تقدير (الامتياز) وكانت اللجنة منصفة في ذلك والذي لم يعرف عدد مرات تقدم الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على السؤال عن سر هذا القارئ الذي ترجم كل شيء وفك رموزاً وشفرات في برهة قصيرة.

 

إنه القارئ الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر الإذاعة، ومن ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط، وسجل بذلك الرقم القياسي من حيث سرعة الشهرة والصيت والانتشار وكأنه أراد أن يتحدث إلى من يهمه الأمر بلغة قرآنية وإمكانات صوتية فرضت على الدنيا اسماً جديداً أراد أن يترجم الصبر إلى فعل وعمل نصف صبر أيوب الذي صبر 18 عماً فجاءه الشفاء مرة واحدة بعد أن تفجر الماء الشافي تحت قدميه وبمجرد أن وضع قدميه تحقق له من الشفاء ما كان يحتاج إلى عشرات السنين.

 

كانت الفترة ما بين 1975 وحتى 1980 بمثابة غزو مفاجئ من الشيخ الطبلاوي فاحتل المقدمة مع المرحوم الشيخ عبد الباسط الذي أعطاه الجمهور اللقب مدى حياته.

 

تعرض الشيخ الطبلاوي لمواقف شديدة المرارة على نفسه وكان من الممكن أن يقضى عليه كقارئ ولكن الله أنجاه منها، وهذا الموقف حدث عندما كنت مدعواَ لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة المهتم أهله باستدعاء مشاهير القراء وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف، وكان التوفيق حليف الطبلاوي والنفحات مع التجليات جعلتنه يقرأ قرآنا وكأنه من السماء.

وأثناء استراحته قبل تلاوة الختام جاءه "القهوجي "وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد؟ فقال : "إذا ما كنش فيه مانع"، وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامه على الطاولة، ويشاء الله أن ينشغل وينساها، فقال له صاحب الميكروفون"مكبر الصوت" القهوة بردت يا شيخ محمد فمد يده لتناولها فجاءه صديق وسلم عليه وبدلاً من وضع الشيخ الطبلاوي  يده على الفنجان صافح الرجل وانشغل مرة ثانية وأراد أن يمد يده فشعر بثقل في ذراعه لم يمكنه من تناول الفنجان وفجأة جاءه صاحب المأتم وطلب منه القراءة فترك القهوة ليشربها صاحب الميكرفون وبعد لحظات نقلت سيارة الإسعاف صاحب مكبر الصوت إلى مستشفى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله.

وهذا الموقف حدث لقارئنا بعد التحاقه بالإذاعة وبعد أن وصل إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه السرعة.

 

وهناك موقف  آخر لا ينسى  وسيظل محفوراً بذاكرة محبي الشيخ الطبلاوي وهو أن أحد القراء أراد أن يشن حرباً عليه لا لشيء إلا لأنه أخذ حظاً وفيراً من الشهرة بفضل الله تعالى، فقال هذا القارئ بعد التحاقه بالإذاعة بشهور: أريد الفرصة لكي أمسح الطبلاوي وأمثاله!! فأعطي الفرصة كاملة وأخذ إذاعة خارجية وبعدها استبعد ستة شهور لأنه لم يتقن التلاوة!!  ولعل ذلك لأن ما قاله القارئ الحقود يعد جرأة على قدرة الله، فأراد الله أن يشعره بأن الله يسمع ويرى وبيده ملكوت كل شيء وأنه سبحانه وتعالى هو المعز وهو المذل وهو على كل شيء قدير.

 

وموقف آخر حدث للشيخ الطبلاوي بالهند حيث سافر مع وفد مصري ديني بدعوة من عالم الهند الشهير الشيخ أبو الحسن الندوي، وكان رئيس الوفد المصري  المرحوم الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت، وحدث أنهم  تأخروا عن موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي، وكان التأخير لمدة نصف ساعة بسبب الطيران، وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية، وربما يكون للعمة والزي المشهور دور في الصفح والسماح لنا بالدخول.

وحدث ما توقعه الدكتور البري وأكثر، والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي.. فلنبدأ احتفالنا من جديد،و كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف دول العالم،وبعد انتهاء الجلسة التف حوله كل الموجودين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ليلتقطوا معه الصور التذكارية، فقال لهم الدكتور البري : كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي؟ فردوا وقالوا: والشيخ عبد الباسط أيضاً وكثير من قراء مصر العظماء.

 

وفي الحقيقة عاد الوزير د.البري  إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر وأعطى الشيخ الطبلاوي عدة مسؤوليات، منها شيخ عموم المقارئ المصرية، وعضو بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف، ففوجئ بقيام مجموعة من مشاهير القراء بالاحتجاج على هذه الامتيازات،رغم أن ذلك التكريم يحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتهم جميعاً، ويعد هذا نجاحاً للقراء.

 

وامتن الله على الشيخ الطبلاوي بتسجيل ختمتين كاملتين للقرآن الكريم إحداهما  مرتلة والأخرى مجودة   ،ويعد قارئنا ذلك الفضل هو الرصيد الذي يعتز به والثروة التي من الله عليه بها في الدنيا والآخرة.

 

أما بالنسبة للمصحف المرتل فهو مسجل بصوته ويذاع بدول الخليج بناء على رغبة إذاعاتها، والختمة المرتلة فموجودة بالإذاعة المصرية، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة والحفلات الخارجية التي سجلها في السبعينيات بالمساجد الكبرى في مصر وفي بعض الدول العربية والإسلامية.

 

وسافر الشيخ الطبلاوي  إلى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية، بدعوات خاصة تارة ومبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف تارات أخرى ممثلاً مصر في العديد من المؤتمرات ومحكماً لكثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن من كل دول العالم.

ومن الدعوات التي يعتز بها تلك التي تلقاها من مستر جون لاتسيس باليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في تاريخ اليونان، وكذلك الدعوة التي وجهت إليه من قبل المسؤولين بإيطاليا عن طريق السفارة المصرية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة "روما" لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك.

 

ولا ينسى الشيخ الطبلاوي دعوة القصر الملكي بالأردن لإحياء مأتم الملكة "زين الشرف" والدة الملك حسين، حيث أقيم العزاء الرسمي بقصر رغدان بعمان، وهناك مئات الأسفار التي جاب خلالها الشيخ "الطبلاوي" معظم دول العالم لتلاوة كتاب الله عز وجل.

 

ونتج عن هذا العمر القرآني للشيخ الطبلاوي كثير من التسجيلات التي سجلت بالاحتفالات الخارجية.

 

وحصل الشيخ الطبلاوي على وسام من لبنان في الاحتفال بليلة القدر تقديراً لجهوده في خدمة القرآن الكريم.