رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح
رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح

مها متبولي تكتب.. عادل امام " مارد الدراما " يفاجئنا ب"عوالمه الخفية"

لم يعلق عادل امام على من هاجموه خلال العام الماضي ،ولم يفند مزاعمهم، بأنه قد آن الوقت ،لكي ينسحب ،أو يعلن اعتزاله ، وانما فضل استراحة المحارب ،ليضرب هذا العام كل من هاجموه، بيد من حديد، ويقدم لنا مسلسل "عوالم خفية" ، وهو في الحقيقة عمل درامي مكتمل، تمت صناعته بميزان الذهب، ليجمع بين التنوع والاثارة والتشويق ،واختراق المناطق الشائكة ، فهو يضرب بقوة على رأس الأفاعي ، ويلاحق أذناب الارهاب ، وفساد رجال الأعمال، وضياع القيم الانسانية . وبدا عادل امام في شخصية "هلال كامل" ، مثل الراهب الباحث عن الحقيقة في محراب "صاحبة الجلالة" ،تؤرقه مصائر الشخصيات ، وغياب الضمائر ،بل يضع أيدينا على ملفات غاية في الخطورة ، بحثا عن فك الألغاز المستحيلة . وأعتقد أن مصدر قوة العمل تنبع من تألق "الزعيم " أولا وقدرته السحرية على اشباع شغف الجمهور المتعطش للكوميديا الناضجة اولا ،والراغب في أن يري شخصية عادل امام المحارب المنحاز للضعفاء ثانيا ، بالإضافة إلى أن مؤلفي العمل الثلاثة : أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان، تميزوا بحرفية كبيرة في التأليف الدرامي المنطلق من رؤية سينمائية واسعة لظروف الحياة، وقضايا المجتمع، وقد انعكس ذلك على كتابتهم التلفزيونية ،و أكسبها نوعا من التركيز والعمق ، وأعطاها ايقاعا أسرع ،وتنقلات حيوية بين الأحداث ،كما أن هذه الروح السينمائية فرضت نوعا من الجرأة على القضايا المعروضة في المسلسل من ناحية المضمون ، ونجحت في جذب قطاع عريض من المشاهدين. لكن يمكن أن نقول أن عادل امام في هذا المسلسل تجاوز الكوميديا وضيقها، ليقدم لنا في "عوالم خفية" شخصية غنية بكل التفاصيل، تجمع بين خفة الدم، والحضور التراجيدي، والتحليل النفسي، والتفكير الهادف ، بل إنه يصطحب المشاهدين في مغامرات صحفية، غير مأمونة العواقب ،حيث يدخل أوكار الجريمة، وأعشاش الدبابير، ويرتاد مناطق لم يصل اليها أحد. إن نجاح عادل امام في تجسيد الشخصية نابع من قدرته على معايشتها ،وفهم جوهرها وتقديمها بطريقة السهل الممتنع ،حيث يتحكم في حدود الدور، وشكله الخارجي ، وصراعاته الانسانية ليؤكد أن التمثيل طاقة روحية ،وليس استعراضا للعضلات أو البنية الجسمانية. ونجح المخرج رامي امام في التحكم في النسيج الدرامي للعمل، وضبط ايقاعه السردي، من خلال قصة اطار كبيرة ،هي مقتل "مريم رياض" ،وقصص فرعية منبثقة منها، دون أن يفلت منه زمام العمل. وأعتقد أن رامي امام ظهر في هذا المسلسل كمخرج ناضج، ومتمكن من أدواته ،بدءا من دقته في اختيار الممثلين الملائمين للشخصيات، وحرفيته في ادارتهم، ومرورا بجعل الخط الدرامي في العمل مشدودا باستمرار ، ومفتوحا على نافذة التشويق والاثارة المنضبطة، بعيدا عن اللجوء للأكشن، والضجيج المصاحب له. كما يصنع رامي مشاهده الدرامية برؤية سينمائية ،وعيون حساسة ، لأن كل مشهد في المسلسل ، ما هو إلا تجسيد لمعنى من المعاني الانسانية ،فلم يأت هذا المشهد أو ذاك اعتباطا ،وانما تمت صناعته لتوصيل دلالة معينة ، فملاحظة عادل امام لأثار اطفاء السجائر في ذراع الطفل يتيم ،وجعت قلوبنا ، أكثر من الكلام عن المهانة التي يتعرض لها هؤلاء الاطفال اليتامى ، وحوار النظرات بين "هلال كامل" والطفل" كان أقسى من مرارة المأساة ،باختصار انها لغة الكاميرا الأكثر تأثيرا من أي شئ. عادل امام هو "مارد الدراما" الذي خرج ليفاجئ صناع المسلسلات هذا العام ، فلم يكن صامتا عندما هاجموه ،وانما كان يحكم قبضته على "جوهرة " التألق والنجومية.