"فى ذكرى رحيله".. شاهد بالصور .. أسرار ونوادر في حياة "يوسف شاهين" الذى وصفته أم كلثوم بـ"ابن المجنونة"
«إذا عرفت أكتب مشهد حلو، أحط مزيكا وأرقص»، هكذا وصف المخرج
الراحل يوسف شاهين نفسه ، ملخصًا حياته فى وضع "الهيدفونز" فى أذنه والرقص على "المزيكا" ، حتى لو كانت الدموع تتساقط من عينيه ، ليكشف جوانب عديدة من شخصية مخرج رائع نقل
السينما المصرية للعالمية ، والذى كان أحد أهم رواد جيله.
اليوم تمر ذكرى رحيل المخرج القدير يوسف شاهين ، وترصد "وشوشة" ملامح مشواره الفنى فى التقرير التالى .
اسمه بالكامل “يوسف جبرائيل شاهين”، ولد يوم 25 يناير لعام 1926م في محافظة
الإسكندرية، لأب من أصول كاثوليكية لبنانية وأم من أصول يونانية، حصل على الثانوية
من كلية فيكتوريا، ثم تخرج من جامعة الإسكندرية، كما سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة
فنون المسرح في معهد “باسادينا” المسرحي.
بدأ “يوسف شاهين” عمله في مجال صناعة السينما المصرية كمساعد للمصور السينمائي
“الفيز اورفانالي” الذي مهد له الفرصة لإخراج أول أفلامه بعنوان “بابا أمين” عام
1949م وهو لا يزال في الثالثة والعشرين من عمره، وفي العالم التالي قدم ثاني أفلامه
تحت عنوان “ابن النيل” الذي شارك في مهرجان كان للسينما محققاً من خلاله الشهرة والنجاح
كمخرج يفارق اللغة السينمائية المصرية المعروفة آنذاك.
لم تتوقف الانطلاقات الفنية للمخرج “يوسف شاهين” طوال مشواره الفني ، الذي
امتدت حوالي 60 عامًا، حيث أثارت أفلامه جدلاً واسعاً بسبب روحها النقدية السياسة والاجتماعية
ودفاعه الدائم عن الحريات، اشتهر “شاهين” بانتقاداته اللاذعة لنظام الحكم في مصر وللسياسات
الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفي عام 1972م ألقى حجراً في الماء الراكد بإخراج فيلم “العصفور” الذي
يُحمل مسئولية هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو للفساد في المؤسسة السياسية المصرية،
واستمر هذا الخط النقدي في العديد من أعمال “شاهين” ومنها “عودة الابن الضال” و”الأرض”
و”المهاجر” و”باب الحديد” و”المصير” و”الآخر” و”هي فوضي”.
كما قدم “شاهين” سيرته الذاتية ورصد تطورات الحياة الاجتماعية والسياسية
في مصر من خلال أربعة أفلام شهيرة هي “إسكندرية ليه” و”حدوتة مصرية” و”إسكندرية كمان
وكمان” و”إسكندرية نيويورك”، واختار النقاد عشرة من أفلامه من بين أهم مئة فيلم في
تاريخ السينما المصرية بمناسبة مرور مئة عام على انطلاقتها.
يعد “يوسف شاهين” احد السينمائيين القلائل الذين اعتمدوا على أنفسهم في
تمويل أفلامهم خصوصا بعد توقف دعم الدولة له على إثر أعماله السياسية المنتقدة للنظام،
حيث قام بتأسيس شركة إنتاج سينمائية باسم “مصر العالمية” لتمويل أفلامه خاصة مع المنتجين
الفرنسيين.
تخرج العديد من المخرجين من مدرسة “يوسف شاهين”، أمثال (يسري نصر الله
- رضوان الكاشف -علي بدرخان - خالد الحجر - خالد يوسف - عماد البهات)، كما يرجع له
الفضل في تقديم الكثير من الوجوه الهامة للسينما المصرية أهمها الفنان “عمر الشريف”
الذي قدمه في فيلم “صراع في الوادي” ثم وصل إلى العالمية على يد المخرج الانكليزي
“ديفيد لين”.
لم تقتصر موهبة “يوسف شاهين” على الإخراج فقط بل تمتع بموهبة عالية في
التمثيل، وظهر في عدد من أفلامه منها “حدوتة مصرية” و”باب الحديد” و”فجر يوم جديد”
و”إسكندرية كمان وكمان”، بينما كان آخر ظهور له في فيلم “ويجا” كمجاملة لتلميذه “خالد
يوسف”.
وكشف الفنان محمود حميدة سر تعلم «شاهين» للرقص بهدف جذب الفتيات
إليه، راويًا: «زي ما قال على لسان الشخصية في الفيلم (اسكندرية نيويورك) إنه أنا
شكلي مش حلو فازاي هظهر في وسط المدرسة مع أصحابي التانين، يبقى أرقص كويس، فهو
رقاص، بيعرف يرقص كويس يوسف، أصحابه في المدرسة هم اللي قالولي، أنا مكنتش أعرف
يعني.
ويحكي يوسف شاهين تفاصيل اللقاء الأول بينه وبين كوكب الشرق أم كلثوم
أو «ثومة»، كما يناديها، معترفًا أنه لم يكن يحب صوتها ولم يكن مغرمًا بسماع «الحواديت»
عنها، ويقول: «فجأة لاقت الناس بيقولوا الست بتدور عليك، الست بتدور عليك.. أنا كنت
لسه واخد نيشان من عبدالناصر، فقلت لهم إيه الست بتدور عليا؟! طيب ما تدور!».
يضيف: «لاقيت الدنيا كلها اتنططت والكل بيسأل ووكيل وزارة بيقول الست
عاوزاك روحلها، فروحتلها، ولما رحت أقابلها أخدت قهوة في أول صالون، وقهوة تانية في
تاني صالون، وهي لسه منزلتش تقابلني، واتأخرت عن الميعاد اللي كانت قايلة عليه».
ربما تلك التفاصيل التي يقولها «جو» كانت كفيلة بعداء بينه وبين «الست»،
فهي لا تقبل أن يغضبها أحد، وهو أيضا لا يقبل أن يعترض عليه أحد، لكن الأمر بعد دقائق
كان أسهل بكثير.
يقول «جو»: «جت الست، وكانت غريبة جدا، وبتبصلي بشكل غريب جدا، وقعدت
تتكلم عن أي حاجة، قلتلها أنا جاي ليه؟ أنا مش عارف أنا جاي ليه!»، فردت: «أنا قررت
انك تعملي الأغنية اللي جاية»، فاستنكر «شاهين»: «قررتي؟!»، وقال: «طيب أسمع الأغنية»،
ويضيف ساخرًا: «طلعت ورقة وقالت شوف وطوف، وطوف وشوف، العجلة دارت، والمركب مشيت»،
وبعد أن انتهت من الأغنية، قال لها «شاهين»: «هبلة أووي يعني، شوف وطوف والعجلة والمدخنة؟!
دي أي حمار يعملهالك»، فردت «أم كلثوم»: «يا ابن المجنونة!».
يحكي «شاهين» من هنا بدأت العلاقة بينه وبين «الست»، قائلًا: «لما شتمتني
عجبتني»، وسألته: «طيب يعني إنت عايز إيه؟»، فأجاب: «معرفش، أغنية تانية مختلفة عن
شوف وطوف، أغنية فيها إحساس مختلف»، ثم سألها «what is
طوف»، فسخرت منه، فبدأت علاقة الصداقة بينهما.
ظلت العلاقة بينهما صداقة جميلة، وكانت تحكي لـ«شاهين» قصة حياتها منذ
أن جاءت من بلدها إلى القاهرة، وإحساسها عندما ركبت القطار لأول مرة، قائلة: «كنت مفكرة
أن الشجر هو اللي بيمشي مش القطر»، ويقول عنها: «كانت خفة دم محصلتش، وذكاء محصلش».
يقول «شاهين» ضاحكًا: «كان لسانها طويل شوية، فكان فيها السمات اللي أحبها
أنا، مش خايفة من أي حاجة، وبتتكلم من قلبها، وفهمتها بعد ما كنت بقول عليها زي ما
بيقولوا الخواجات بتوع إسكندرية: بتعيد وبتزيد، حاجة تفلأ!، ثم عرفت أنها بتعيد كل
مرة بفكر مختلف وبإحساس تاني».
يبدو أن «شاهين» أغرم بـ«الست» لدرجة أنه كان يقول للممثلين: «اتعلموا
التمثيل من أم كلثوم وهي بتغني، فهي تقدم كل كلمة بإحساس مختلف، وبفكر جديد»، حتى أنه
استعان بها في كثير من أفلامه من أهمها الرقصة الشهيرة مع عمرو عبدالجليل في فيلم
«إسكندرية كمان وكمان»، بعدما خسر جائزة هامة ضمن أحداث الفيلم، وبدأ يرقص بينما تغني
الست: «وكفاية بقى تعذيب وشقا ودموع في لق، تعتب عليا ليه؟ أنا بإيديا إيه؟، فات الميعات،
فات».
«ده تخريف من سيادتك.. دي كلمة زفت»، هكذا رد
المخرج الراحل يوسف شاهين على إعلامية تقول له إن «بعض من الأغاني التي تضمنتها أفلامه
في البدايات مثل بابا أمين كانت محشورة، أي أنه لو حذفت تلك الأغاني لما شعر أحد بأمر
ناقص».
ويحكي يوسف شاهين قصة واحد من أهم أفلامه الغنائية «إنت حبيبي» من بطولة
شادية وفريد الأطرش وهند رستم.
«كان شاهين في حاجة للمال في ذلك الوقت، واتصل به الأطرش طالبًا منه إخراج
الفيلم، فقال له جو، إن هناك حظر تجول وقد لا يستطيع فعل ذلك، فأغراه «الأطرش» بالمال
وقال له: «هديك عربون حلو أوي»، وذهب إليه وسأل عن الحدوتة، فأجاب: «واحد بجري في الشارع
والناس بتسأله مالك؟ البوليس بيجري وراك؟، فيجيب: لا، طيب حماتك بتجري وراك، فيصرخ
لا، أمال ايه اللي جرالك؟» فيقول: «أنا مش عايز أتجوز».
يقول شاهين: «حينما قال الأطرش تلك الجملة فوجئت بأن من حوله ماتوا على
روحهم من الضحك لأنهم يعلمون أن فريد لا يحب الزواج»، ويبدو أن شاهين حاول مجاراتهم
فقط فاضطر إلى أن يموت على روحه من الضحك، قائلا لنفسه: «اضحك يا واد علشان الفيلم
مايروحش منك».
وقال شاهين (بعد أن مات على روحه من الضحك نفاقًا): «كمل الحدوتة.. فين
الباقي؟»، فرد الأطرش: «بس كده.. هي دي»، فتعجب شاهين: «بس؟! وهندخل نصور بعد أسبوع؟!
طيب!!»، وكان أبو السعود الإبياري حاضرًا الجلة فأخذ الفكرة وبعد 3 أيام فقط انتهى
من كتابة الفيلم كاملًا.
ويبدو أن شاهين وجد الموضوع «هيصة في هيصة» على حد تعبيره، فقال: «واشمعنى
أنا؟»، فبدأ يبكر أسلوبًا جديدًا في الكوميديا عن طريق النكت المرئية، كما وصفها في
حديثه، فخرج الفيلم بسيطًا قريبًا من القلب لأن شاهين فيه هيافة بمليون جنيه كما كان
يقول عن نفسه.
كان «شاهين» يرى أن الأطرش رجلا كريمًا وطيبًا لكنه ممثلًا صعبًا، ويحكي
أنه أثناء تصوير الفيلم، اختلف الاثنان لأن شاهين وجد ضرورة في أن تقوم «ياسمينا»،
أو شادية، في دفع حبيبها الذي يقوم بدوره فريد الأطرش فيقع على الأرض، فرد عليه الأطرش:
«نعم؟ فريد الأطرش يقع؟» فقال شاهين: «معرفش انت تقع ولا ماتقع لكن القفل اللي في الفيلم
لازم يقع»، فرفض فريد وأصر شاهين، وحاول شقيق الأطرش تحسين الأمور، فقال لجو: «مينفعش
ده فريد يموت لو وقع.. ده عنده القلب»، فرد شاهين: «وأنا لو معملتش المشهد أنا اللي
هموت»، فقال شقيق الأطرش: «يعني انت هتموت وهو هيموت»، فرد «جو»: «ما يموت هو في ستين داهية وأنا مالي».
وبصراحته المعتادة يجيب شاهين على أحد الأسئلة الهامة حول الفيلم، حين
سألته المذيعة قائلًا: «في مشهد القطار كان واضحًا أنك تركز على هند رستم ورقصها وليس
مع فريد الأطرش وهو يغني؟»، فرد: «طبعا وهو فيه حد يركز مع فريد الأطرش أصلا، صعب أووي».
نال المخرج العالمي “يوسف شاهين” خلال مشواره الفني العديد من الجوائز
المحلية والعالمية، بالإضافة إلى التكريمات من مختلف المهرجانات العربية والأجنبية
حيث حصل على جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين السينمائي عن فيلم “إسكندرية... ليه؟”
عام 1979م، وجائزة الدولة التقديرية عام 1994م، وجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان
عن مجمل أعماله عام 1997م.
كما منحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة الفارس لعام 2006م، وتم
تكريمه كأهم مخرج في الوطن العربي بمهرجان السينما الدولي عام 2007م، بالإضافة إلى
تدشين شارع في ضاحية “بوبيني” باسم يوسف شاهين، وإطلاق جائزة دولية باسمه في مهرجان
سينما المؤلف بالرباط.
وفي يوم الأحد الموافق 27 يوليو لعام 2008م توفي المخرج السينمائي “يوسف
شاهين” عن عمر يناهز 82 عاماً، نتيجة الإصابة بجلطة في المخ أدت إلى نزيف متكرر والدخول
في حالة غيبوبة لمدة ستة أسابيع، وقد تم دفن جثمانه في مقابر الروم الكاثوليك بالشاطبي
في الإسكندرية مسقط رأسه.